لبنان وأزمته المفتوحة... ربطاً بالتحولات الإقليمية

لبنان وأزمته المفتوحة... ربطاً بالتحولات الإقليمية الكبرى

27 مايو 2022
+ الخط -

 

الصورة
تلة السراي .. لبنان ..

هناك صورة سوداوية جداً بدأت تتشكل حول مسار الأزمة في لبنان في السياسة والاقتصاد وتلقائياً في الأمن، ويجري تداولها ونقاشها في كل الصالونات السياسية للدول الناشطة والمؤثرة في لبنان وتحديداً الفرنسيين والقطريين والمصريين، لذا ثمة نشاط متزايد تقوده باريس مع شركائها العرب والأوروبيين بغية تطويق أي ارتطام كارثي لا يمكن الإمساك بخيوطه ووقف اندفاعته، والإدارة الفرنسية بدءاً من الرئيس ايمانويل ماكرون مروراً بمستشاريه ومدير مخابراته الخارجية ووصولاً لسفيرته آن غريو وفريق عملها وعلى الرغم من الانشغال في الانتخابات الرئاسية وتليها البرلمانية إلا أن تلك الاستحقاقات المحلية الفرنسية لم تقلل من أهمية الاهتمام الفرنسي بالساحة اللبنانية.

يقول الجانب الفرنسي لكل من يناقش الملف اللبناني معه إن طبيعة تركيبة الساحة اللبنانية وواقع النظام السياسي يحتّمان أن لا تمر الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية وما بينهما من تشكيل حكومة دون معارك ترافقها، والفرنسيون يدركون دون غيرهم أن لبنان يمر بأخطر مفترق طرق مع انهيارات قاسية وموجعة، لذلك فإن كل الناشطين الدوليين أمامهم حلان لا ثالث لهما: وهما الإسراع في تطويق الأزمة بطاولة حوار وطني برعاية فرنسية وبدعم خليجي وبموافقة (إيرانية - أميركية)، وإما الانزلاق إلى المجهول المرعب، لذا تسعى باريس لتحصيل ضمانات دبلوماسية للحفاظ على حد أدنى من اتفاقيات عقدتها حول لبنان مع طهران وواشنطن والرياض بدعم من القاهرة والدوحة، وهناك حراك جديد لتثبيت الحصول على ضمانات من هذه القوى لصيانة الحدّ الأدنى من الاستقرار اللبناني.

لكن هذه التفاصيل كلها لا تلغي حماوة المشهد الإقليمي الذاهب نحو التأزم، في ظل التعثر الحاصل في المفاوضات حول برنامج إيران النووي وأزمة رفع العقوبات عن الحرس الثوري، وخاصة أن إدارة بايدن حسمت خيارها بإبقاء العقوبات على حرس إيران في ظل حماوة المعركة في الانتخابات النصفية والتي قد تأتي بالجمهوريين بأكثرية مطلقة في الكونغرس، إضافة إلى التصعيد المستمر بين روسيا والدول الغربية، وما يأتي في سياق التطورات الإقليمية وصولاً إلى سورية وخريطة النفوذ السياسي فيها.

ليس واضحاً ما جرى حتى الآن. فهل الأمر يتعلق بدور ما لدمشق، بعد الانتخابات، وقد جرت محاولات لإحباطه، وخاصة أن حزب الله وإيران لا يفضلان هذا الدور

وثمة من يعتقد أن إيران ستستخدم لبنان كأرض للرد على الضغوطات المستمرة عليها في الملف النووي، عبر استنساخ السيناريو الذي اعتمدته في العراق، حيث فاز خصومها الشيعة والسنة وقوى الثورة الشبابية واستحصلوا على الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، فذهبت باتجاه تعطيل الحياة السياسية والدستورية ومنع انتخاب رئيس جمهورية وتسمية رئيس جديد للحكومة.

 لذا فقد يلجأ حزب الله والتيار الوطني الحر في لبنان إلى استخدام القوة المفرطة والتهديد بقلب النتائج والتلويح بقمصان سود و7 أيار جديد بما يتناسب مع الظرف الحالي، في محاولة لمنع تحجيم حضورهما ودورهما في الدولة وامتيازاتها، بالمقابل فإن حزب الله سيسعى لامتصاص القوى السياسية الناشئة وتحديداً كتلة قوى التغيير المكونة حتى اللحظة من 14 نائباً، ووفق الحزب إياه فإنه سيستفيد من الفروقات الفكرية والأولويات لدى كل منهم.

ما يعني تذويب أي مسعى تغييري في البلاد ودفع أي مشروع إصلاحي لاتخاذ موقف الحياد في ظل كباش إقليمي كبير لا مكان به للقوى المدنية، وبالمحصلة إسقاط قوى الغالبية من يد خصومهم، أي القوات والاشتراكي، وسيتحول النقاش إلى أن أي مس بالمقدسات السياسية يعني بالمحصلة الذهاب لضرب النظام والفوضى الكبيرة، وعليه سيتمسك الحزب وحلفاؤه بما لديهم من أوراق قوة ونفوذ وتحكم لفرض واقع ريثما تتضح الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة، وهذا الأداء الإيراني يأتي في ظل انشغال العرب والمجتمع الدولي عن لبنان بملفات أكثر حساسية وأهمية.

بالمقابل، فإن ترقباً شديداً للقاء سيجمع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بنظيره السعودي فيصل بن فرحان على أرض محايدة، وهذا اللقاء في حال تمخضت عنه حلول مرحلية سيجري تخفيض التصعيد في لبنان واليمن والعراق بطبيعة الحال، فيما الملف السوري يشهد إعادة بحث في ظل ما أعلنه عبد اللهيان عن موقف بلاده من تأييد الحل السياسي في سورية، وفكرة طرح الحل تعني الانتقال إلى مرحلة أخرى تتجاوز التمسك ببشار الأسد وحزب البعث بتركيبته الحالية داخل النظام السياسي في سورية.

وانطلاقاً من هذا الموقف لا يمكن القفز فوق الخسارة الجماعية والمدوّية لرموز النظام السوري في الانتخابات البرلمانية وهم سبعة رموز بضربة قاصمة في ظل ما يحكى عن تواطؤ حزب الله في ضرب هذه الشخصيات ومعاقبتها لكونها كانت تحضر لإعلان كتلة تضمهم باعتبارهم حلفاء دمشق وينسقون مع حزب الله وليس العكس، بحيث لم يبقَ منهم في المجلس إلّا عدد قليل جداً، وما رافقها من اتهامات وجّهها بعضهم إلى حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي بموافقة الحزب إياه.

لذا ليس واضحاً ما جرى حتى الآن. فهل الأمر يتعلق بدور ما لدمشق، بعد الانتخابات، وقد جرت محاولات لإحباطه، وخاصة أن حزب الله وإيران لا يفضلان هذا الدور، فيما باتت تشجعه قوى دولية وعربية، كالإمارات وفرنسا ومصر، بعد زيارة بشار الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة وما سبقها وأعقبها من اتصالات (سورية - خليجية)، ما يؤكد أنّ إيران شعرت بخطورة دور مستقبلي كهذا وأحبطته قبل ولادته.

بالتوازي لا يمكن عدم الانتباه للتقارب (التركي - السعودي) والذي سيتوج بزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأنقرة، وإعادة الحديث عن مجلس استراتيجي مشترك للتنسيق في ملفات المنطقة، وتحديداً سورية والعراق واليمن، وهذا التقارب يتزامن مع الانسحاب الروسي من سورية بشكل تدريجي ومساعي إيران لتعبئة أي فراغ روسي محتمل، وهذا ما ترفضه إسرائيل والسعودية وتسعى تركيا لاستغلاله عبر إعادة طرحها للمنطقة الآمنة مقابل تسوية إدخال فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي، وهذا ما مهد له أردوغان عبر إعلانه عن إعادة مليون سوري لبلادهم ومساعي مقايضة ملفات تعني الغرب والولايات المتحدة مقابل إقامة منطقة آمنة في سورية.

وعليه فإن الأزمة في لبنان وربطاً بالتطورات الشرق أوسطية ستكون مفتوحة على تجاذبات كبرى ولا يمكن عقدها بسهولة طالما أن جبران باسيل لا تزال عينه تترقب شهرأغسطس/ آب المقبل من بوابة تجديد العقوبات الأميركية عليه أو رفعها تلقائياً، لذا فإن باسيل يقامر في الوقت المتبقي لتحصيل مكاسب أكبر، وهو يريد مقايضة نبيه بري بالتعيينات وعزل رياض سلامة وإقرار تعديلات على النظام، وهناك تنبه لدى بري وجنبلاط من خطورة إعطاء باسيل ما يود الحصول عليه.

دلالات