لبنان على مسار التغيير: تحديات وصراعات في وجه المستقبل

15 يناير 2025
+ الخط -

يجد لبنان نفسه اليوم على مفترق طرق، فإما أن ينجح في استثمار الفرصة لتحقيق إصلاحات جذرية تقود البلاد إلى مستقبل أكثر استقراراً، وإما أن يبقى عالقاً في دائرةِ الأزمات، إذ يُراهن البلد على قيادات جديدة ومبادرات دولية لتحقيق حلمه بدولةٍ قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

لكن، وكما يُجمع المحللون، فإنّ التغيير في لبنان يتطلب مواجهة شاملة لجذور الأزمات وإرادة سياسية فعلية لكسر الحلقات المفرغة. الطريق طويل، لكن الأمل في التغيير ما زال قائماً.

أزمات متراكمة ونظام متأزم

لبنان، الذي يعاني منذ سنوات من أزماتٍ اقتصادية طاحنة، وجد نفسه في قلب أزمة مالية خانقة خلال عام 2019، عندما شهدت البلاد انهياراً مالياً غير مسبوق تسبّب بفقدان الليرة اللبنانية قيمتها أمام الدولار، وأدى إلى شللٍ اقتصادي واسع. 

هذه الأزمة تفاقمت بشكلٍ كبير بعد انفجار مرفأ بيروت المدمّر في أغسطس/ آب 2020، الذي خلّف شهداء وجرحى إلى جانب خسائر مادية هائلة، وزاد من زخم الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بمحاسبة المسؤولين والتخلّص من نظام المحاصصة الطائفية الذي لطالما كان سبباً في الشلل السياسي والفساد المستشري.

النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية لا يزال يشكل عائقاً أمام الإصلاح

لطالما شكّلت الوصاية السابقة وسياسات المحاور التي زجّت لبنان في صراعات خارجية عبئاً ثقيلاً على استقراره الداخلي. تلك السياسات، التي جعلت لبنان ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية، حالت دون بناء دولة قوية قادرة على تحقيق سيادة قرارها المستقل.

ومع ذلك، فإنّ انتخاب الرئيس الجديد جوزاف عون وتعيين نواف سلام رئيساً للوزراء يمثلان بداية تغيير محتملة في المشهد السياسي، وسط آمال بأن يساهم هذا التحوّل في إعادة بناء الدولة وتحقيق الإصلاح.

إلا أنّ الخروج من الأزمة ليس سهلاً، إذ يشير المراقبون إلى أنّ النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية لا يزال يشكل عائقاً أمام الإصلاح. على الرغم من انتخاب شخصياتٍ جديدة، فإنّ التغيير الحقيقي يتطلب إعادة النظر في جذور النظام السياسي والاقتصادي الذي كرّس لسنوات طويلة الفساد والمحسوبية.

دور الإعلام والمجتمع المدني

منذ انطلاق ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، برز الإعلام الاجتماعي والمجتمع المدني كقوّةٍ دافعة لتعزيز الوعي العام وإحداث التغيير. فقد لعبت المنصّات الرقمية ووسائل الإعلام المستقلة دوراً جوهرياً في تسليط الضوء على قضايا الفساد وإطلاق حملات توعوية تسعى لترسيخ قيم الديمقراطية والمحاسبة بين المواطنين.

في المقابل، استمرّت بعض وسائل الإعلام التقليدية اللبنانية في الانحياز إلى المنظومة السياسية التي حكمت البلاد لعقود، ممّا أضاف تحديات كبيرة أمام تطوير قطاع الإعلام. هذا الوضع يستدعي جهوداً متواصلة لتحرير الإعلام اللبناني وإعادته إلى مكانته كمصدر حر ومستقل للأخبار، وهي المكانة التي لطالما عُرفت بها بيروت على مرّ التاريخ.

الطريق ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، خاصة مع وجود إرادة جماعية تدفع نحو مستقبل أكثر إشراقًا

على الرغم من الخطوات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة. النظام الطائفي يُبقي على حالة الجمود السياسي، بينما يعاني الاقتصاد من تبعات الانهيار المالي الذي أدّى إلى فقدان الليرة اللبنانية قيمتها أمام الدولار. من جهةٍ أخرى، تُضاف التوترات الإقليمية إلى الأعباء التي تثقل كاهل الدولة، ما يضعها أمام مسؤوليات معقدة لإعادة بناء علاقاتها الخارجية على أساس التوازن والحياد.

بينما يقف لبنان على أعتابِ مرحلة مليئة بالتحديات، يبقى الأمل في التغيير مرهوناً بقدرة الشعب وقياداته على اتخاذ خطوات جريئة تتجاوز الحلول المؤقتة إلى معالجة جذرية للأزمات. إنّ تعزيز دور الإعلام الحر، وتنمية المجتمع المدني، والاستفادة من الزخم الشعبي والدعم الدولي، يمثل نقاط انطلاق حقيقية لإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والاستقرار. الطريق ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، خاصة مع وجود إرادة جماعية تدفع نحو مستقبل أكثر إشراقًا.