لام شمسية.. الفن وتعرية الجريمة

في زمنٍ باتت فيه القضايا الأخلاقية تُوارى خلف ستار "الخصوصية" و"الستر"، يأتي الفن أداةَ خلخلة، تقتحم المسكوت عنه وتضعنا أمام مرآة نادراً ما نجرؤ على النظر فيها.
"لام شمسية"، المسلسل القصير الذي عُرض في موسم رمضان، لم يكن مجرّد دراما اجتماعية، بل كان بمثابة تحقيق بصري في واحدة من أعمق الجراح الاجتماعية؛ التحرّش بالأطفال.
الكاتبة مريم نعوم، المعروفة بقدرتها على الغوص في المناطق الرمادية للمجتمع، لم تتردّد في وضع المشاهد أمام الحقيقة المؤلمة؛ المتحرّش ليس دائماً غريباً خلف الزوايا، بل قد يكون الأقرب، والألطف، والأكثر موثوقية. هذه الفرضية تُترجم درامياً من خلال شخصية "وسام" (محمد شاهين) الذي يرتكب جريمته داخل بيت الضحية، وسط علاقة عائلية متشابكة.
التمثيل المُتقن من أمينة خليل في دور "نيللي" (الأم التي تنهار أمام انكشاف الكابوس) وأداء أحمد السعدني دور أب يكافح بين الإنكار والاعتراف، يقدّمان سردًا نفسيًّا عميقًا للمعاناة التي تعيشها الأسرة. لكن الأداء الصادم بالفعل كان من الطفل علي البيلي بدور "يوسف"، ضحية التحرش، والذي رغم صمته الظاهري، عبّر عن صدمة لا يمكن اختزالها بكلمات.
ما يجعل "لام شمسية" يتجاوز حدود الدراما هو التوقيت والواقعية. بعد أسابيع من عرض المسلسل، تصدّرت قصة الطفل المصري "ياسين" عناوين الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي. طفل لم يتجاوز الرابعة، خرجت والدته بشجاعة لتكشف أنه تعرّض لتحرّش داخل مركز تعليم خاص. الصدمة نفسها. التشكيك ذاته. ردّ الفعل الاجتماعي المتوجّس من الفضيحة. لكن الفرق أن هذه ليست كاميرا ولا سيناريو، هذه حياة حقيقية.
المتحرّش ليس دائماً غريباً خلف الزوايا، بل قد يكون الأقرب، والألطف، والأكثر موثوقية
كشفت قصّة ياسين أنّ ما طرحه المسلسل ليس خيالًا دراميًّا، بل واقعًا يوميًّا نخشى مواجهته. الأم تُكذّب، والطفل يُتهم بالمبالغة، والمجتمع يطلب "الستر" قبل أن يطلب العدالة. أليست هذه هي المراحل التي مرّ بها طارق ونيللي ويوسف في "لام شمسية"؟
المسلسل لا يطرح فقط الجريمة، بل يفتح النقاش حول تبعاتها النفسية والاجتماعية. كيف يمكن لطفل أن يستعيد ثقته في العالم؟ كيف تتعامل الأسر مع شعور الذنب والخذلان؟ ومتى نتعلّم أنّ الصمت لا يحمي الضحايا، بل الجناة؟
"لام شمسية" ليس عملًا دراميًّا للتسلية، بل وثيقة إدانة. إدانة لصمتنا، ولتقاعسنا، ولثقافة "ما يتقالش". هو تذكير بأنّ العنف الجنسي ضدّ الأطفال ليس استثناءً، بل جرح يتكرّر بصمت في كلّ حي ومدرسة وبيت.
أما اليوم، فكلّ "يوسف" على الشاشة، يقابله "ياسين" في الواقع. الفرق الوحيد هو ما إذا كنا سنفتح أعيننا لنرى، وأفواهنا لنقول: كفى.
