كيف يختطف ناشطون في الخارج روايات الداخل الأردني؟

كيف يختطف ناشطون في الخارج روايات الداخل الأردني؟

29 ديسمبر 2020
+ الخط -

من يفسر لمَ شاهد نحو مليونين ونصف مليون أردني البث المباشر لناشطين أردنيين في الخارج خلال ستة أيام فقط؟ كيف لنا أن نقرأ اتساع قاعدة جمهور "لايفات" الخارج أخيرًا، والتفاعل مع مضمونها من معلومات وتحليلات وشائعات وتداوله سراً وعلانيةً؟ 
لماذا اختارت الحكومة الصمت حيال قضيتين أثارتا الرأي العام الأسبوع الماضي: تعيين ابن رئيس وزراء أسبق في الرئاسة مقابل (5700) دولار شهرياً، وشراء شخصية أمنية سابقة مركبة فاخرة؟
"اختطاف الرواية"
القضية الأولى أثارها قبل أيام ناشط أردني مقيم في الخارج، فانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي. مواطنون يتساءلون عن أسس المنافسة والتعيين، فيما الرد الرسمي غائب، والروايات والتحليلات تتدفق علينا من الخارج.
تزامن ذلك مع اعتقال الصحافي جمال حداد على خلفية تقرير يتساءل فيه عن لقاح فيروس كورونا، وانشغال الإعلام بمظاهر احتجاجية ومناشدات للإفراج عنه -قبل الموافقة على تكفيله صباح اليوم الثلاثاء-، أعقب ذلك تسريب وثيقة القضية الثانية ونشرها بطريقة ما.
سبق هذا كله تسريب معلومات على لسان صحافي وناشط أردني يقيم خارج البلاد، تفيد بإحالة عدد من أعضاء نقابة المعلمين إلى التقاعد المبكر، وهذا ما حصل.
المفارقة أن الأحداث السابقة تبعت إعلان الحكومة تبنيها نهجاً جديداً في "الانفتاح على وسائل الإعلام والمصارحة والمكاشفة مع المواطن!"
المشهد المصغر للأحداث الحالية على الساحة الأردنية، يوضح كيفية توجيه الرأي العام واختطاف الرواية خارجياً وإعادة إنتاجها أو تقديمها كما هي للجمهور، ليتبناها ويتداولها في الغرف المغلقة والمفتوحة.
يؤشر هذا المشهد على حاجة الأردنيين إلى مصدر  رواية ناضجة ودقيقة. وهنا تحديداً، يقول رئيس الديوان الملكي الأسبق جواد العناني "هناك قرارات رسمية مدفوعة بأسباب منطقية يجب أن تشرح جيداً، بما يضمن وصول وجهة نظر صاحب القرار إلى الناس، وبخاصة تلك التي تمس مشاعرهم وهمومهم".
احتكار.. تسريبات.. دوافع
ونوّه العناني بخطر احتكار الجهات الرسمية للمعلومات، وبتجاهل حاجة الناس إلى إجابات عن تساؤلاتهم، خصوصا بعد تنامي الإحباط لديهم، وارتفاع نسبة البطالة، وتردي الأوضاع الاقتصادية.
المشهد ذاته يفضح خروقات في بعض مؤسسات الدولة، وتسريبات للوثائق والأسرار والمعلومات بدوافع لا يعلمها إلا الله، وسط احتكار حكومي وتضارب في التصريحات.
هذه النقطة بالذات تجيب عن سؤال العناني عن كيفية وصول المعلومات إلى ناشطين خارج الأردن وغيرهم في فضاء الإنترنت المفتوح.
في الفترة الماضية تحدثت مع عدة مسؤولين وناشطين في الداخل والخارج، بحثاً عن تشخيص شامل لمشكلة التواصل بين الحكومات والبرلمانات والإعلام والشعب وجميع الأطراف في المملكة. أسرّ لي صديق يقيم في الخارج بأن موظفاً عرض عليه، فور خروجه من منصبه، تزويده بوثائق ومعلومات بقصد النشر. مسؤولون كثر رفضوا التحدث أصلاً من باب "لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشة".
وزير سابق تحدث عن خلل إداري في مؤسسات الدولة ذاتها، مبرّرًا كلامه بتسريب معلومات وإشاعات للخارج مدفوعة بأسباب ثأرية وانتقامية أحياناً، ليصبح الناشر نفسه وجمهوره أدوات لصراعات وتصفية حسابات دون أن يدركوا ذلك.
يقول مسؤول سابق آخر، بعض العاملين ممن غادروا مواقعهم تكون دوافعهم للتسريبات إما لكشف فساد، وهذا يدينهم أساساً، فالأصل أن يكشفوه أثناء خدمتهم، وإما ثأرية بسبب ظلم ما، وفي الحالتين يظهر وجه جديد لانعدام الثقة بمؤسسات معنية بمحاربة الفساد، وإما خوفاً من تعرضهم لأذى حال تقديمهم شكاوى رسمية بسبب الظلم الذي لحق بهم.
أسباب وحلول
أستاذ القانون سلطان العطين، يرى أن على الدولة تفعيل قانون حق الحصول على المعلومة رقمياً وبفترة قياسية، لقطع الطريق على محاولات تزييف الرأي العام، مشدداً على أن تجاهل الرسميين في عمّان لهذه الظاهرة سيأخذ البلاد إلى طريق مسدود.
آخرون تحدثوا عن فقدان الثقة وإضعاف الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وضعف البرلمانات، وتهميش دور الأحزاب بفعل  القوانين المفرغة من الداعي لوجودها، باعتبارها أهم ركائز الإصلاح الحقيقي، إلى جانب إسكات المعارضة في الداخل، والتضييق على الحريات.
في هذا السياق، يضع نائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي، الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها أمام مسؤولياتها في خلق مناخ صحي للمعارضة السياسية وأصحاب الرأي، "معارضة الداخل وإن اختلفت رؤاها أساسها المصلحة الوطنية، وعوامل إنتاجها إصلاحية، وخصومتها شريفة، وأدواتها موضوعية".
وطاولت انتقادات العبادي تعامل أجهزة الدولة مع وسائل الإعلام والتضييق عليها، متسائلاً عن جدوى وجود قنوات إعلامية رسمية بموازنات مليونية عاجزة عن إشباع حاجات الرأي العام والشارع.
استدارة نحو الداخل.. نعم نستطيع
بهذا المعنى، الجميع في الأردن سيدفع ثمن غياب الحريات والتضييق على الإعلام، واحتكار المعلومات في بلد كان مبادراً أصلاً في استحداث قانون يتيح الوصول إليها.
ويتفق وزير الإعلام الأسبق طاهر العدوان، مع العبادي في أن الإعلام الحر هو الأداة الأسرع والأضمن لاستدارة الشارع مجدداً نحو روايات مهنية ودقيقة وموثوق بها ينتجها صحافيون أردنيون، "بالنتيجة ستفقد أي روايات أخرى وزنها وأهميتها تلقائياً".
ويقول العداون إن "التضييق على الإعلام غيّب طرح القضايا الحساسة، وألجم الألسن عن النقد"، في حين يخوض بقضايانا ويحللها آخرون ويترك الناس لبضاعة السوشال ميديا، مشدداً على أن "الإعلام الضعيف لن يستطيع الدفاع عن النظام والدولة".
في النهاية، يدرك الشعب أن هناك عدة قوى تتحكم في ماكينة صنع القرار، ويقدّر إرث الحكومات السابقة الثقيل، وتداعيات جائحة كورونا في حضن حكومة د. بشر خصاونة، إلا أن هذا لا يعفيها من مسؤولياتها تجاه مشاعر الناس وتخوفاتهم ومحاولات تضليلهم.
فلا بد من أن نتوقف عن إنتاج أعداء للدولة والنظام في الداخل والخارج مجانا، بسوء الإدارة وتسخيف الخطاب الموجه للأردنيين، وأن ندافع عن ثوابتنا ونظامنا ومؤسساتنا الأمنية والرسمية.