كلمات لها أظافر

كلمات لها أظافر

23 مارس 2021
+ الخط -

نقولها من القلب الذي صار يبحث عن أي مخرج، فيه حفظ لماء الوجه، وإن كان فيه الكثير من الصعوبة في هذا الزمن العربي المالح الذي صار يغلب عليه اللون الرمادي الداكن ليقول ما يشعر به، بعد أن أصبح من الصعوبة بمكان أن ننكر وجود الكثير ممن يحاولون أن يغرسوا أظافرهم في ذلك الجسد العربي المتخاذل المتعب الذي يبحث عن الخلاص من التعديات التي يحاول الجميع بها النيل منه ومن متعلقاته، والوقوف على ما أصابه من إهانات لم يخلص منها داسته وعَلقت به.. وحفرت في وجدانه وفي ضميره المتأصل كل أنواع العلل والآلام، ولم يعد ينفع في المقابل السكوت أو التغاضي عنها، وما زالت بانتظار ساعة الصفر للانقضاض على كل من حاول التعدي عليه وإهانته وتقزيمه!

ومن هنا، فنحن بحاجة إلى ضبط النفس أكثر فأكثر، كي لا نقع في لومةِ لائم أو حاسدٍ حاقد، وبعدها نلطم على أنفاسنا بدلاً من أن نحقنها بالحب، ونؤرشف لواقع مسّه الجنون، تماشياً مع ما نردّده اليوم، وبصوتٍ عال: (معاهم معاهم، عليهم عليهم!).

وما أحوجنا إلى أن نحتكم إلى العقل، وإن كنا نعيش في ظل دمٍ يُراق يومياً على أن ننشد لواقع حياة نبحث من خلالها عن بصيص أمل وعيش بحرية، واللقاء بالأهل وكل ما يربطنا بتلك الأرض الخيّرة المعطاء في كل مكان على هذه الخليقة.

وما أحوجنا إلى فارسٍ صنديد، لم يسبق أن رأته العين، أو سمعت به الأذن، ليعلن خلاصنا من هذه الواقع الأليم الذي صار لا يطاق ولا يمكن أن يتحمله أي إنسان على هذه البسيطة، وإن صعب عليه التحدي!

وما أحوجنا إلى أن يكون التعامل الحسن، والاعتراف بالذنب، وهو فضيلة الفضائل، هو ما يربط العلاقة الوجدانية في ما بيننا، فضلاً عن اتساع صدورنا لأي قضية أو مشكلة تواجه مصيرنا، وكل ما له علاقة بالضمير والوجدان والأنا.

ما أحوجنا إلى قول الحقيقة، لأنها تعني أكثر ما تعني العيش بين أصدقائنا ومعارفنا وأحبائنا بكل ودّ وسعادة مطلقة، بعيداً عن أي لون من ألوان الخداع والكذب!

وما أحوجنا إلى أن نتخلّى عن أسلحتنا، وآلات القتل والتدمير الشاملة التي نمتلكها، وكل ما هو مؤذٍ، وبه قد تحُل الكثير من الرواسب والمنغّصات والآلام والأوجاع، وننهي معه عمليات القتل التي أتت على كل شيء، ونلتفت إلى إصدار المراسيم والقوانين والقرارات والأوامر والتعليمات الجديدة، والالتزام بمضامينها وتطبيقها بصرامة لأجل خاطر عيون أطفالنا والعيش بكرامة وأمان، بفكر متجدّد في هذا الحيّز من الأمل الذي نأمل أن يصير عليه العالم في العام الحالي.

وما أحوجنا إلى أن نغسل قلوبنا من كل ما هو ضار، ونبرّئ ساحتها من الغلّ والبغض والحقد، والعمل بما يُرضي الله والضمير والوجدان..

وما أحوجنا إلى كلمة حق، والإعلان عن الثوابت، والبعد عن كل ما يؤلّب مشاعرنا التي انطلت عليها المصائب، وساحات الاقتتال التي تشق غبارها، وتعترف بأخبارها. والنتيجة كما يعرف الجميع، اتساع رقعة الدمار وتشريد العباد، وهذا ما جرى وما زال يجري اليوم بالفعل..
وما أحوجنا إلى أن نبعد عن أنفسنا الخداع، وصوره البغيضة التي تؤلّب القلوب وتدميها، ويلفظها المجتمع، وأن نكون أكثر صراحة في كل ما يدور عمّا حولنا، بعيداً عن العودة للماضي، والتمجيد بالأطلال، وعلى المرء أن يتغنى بأفعاله هو، وليس بما جاد به عليه الأجداد، ومثالنا في ذلك ما أشار إليه شاعرنا: "ليس الفتى من قال كان أبي ... إنّما الفتى من قال ها أنا ذا".
وما أحوجنا إلى أن نعيد النظر بالغيرية التي فقدناها، وعلينا أن نظهرها، لأنه من الصعوبة بمكان أن نحجب الشمس بغربال!

وما أحوجنا إلى الصدق، لأنه مظهر حضاري، ويزيد ثقتنا بأنفسنا، ويدفع بها نحو تحقيق ذاتها وأحلامها المهدورة.

وما أحوجنا إلى قول الحقيقة، لأنها تعني أكثر ما تعني العيش بين أصدقائنا ومعارفنا وأحبائنا بكل ود وسعادة مطلقة بعيداً عن أي لون من ألوان الخداع والكذب!

وما أحوجنا إلى صحافي متفهّم مُقنع في هيئته وفي كتاباته، وحسّه الإعلامي الكبير، وفي ما يطرحه من أفكار مبتكرة على أن تواكب العصر، وأن تكون صادقة في مضمونها، ليقنعنا بما يَحدث على الساحة العربية اليوم من أحداث فظيعة، والعمل على نبذ كل من أساء لصاحبة الجلالة التي عَرفت ـ وللأسف ـ متطفلين كثراً، وأخذوا دور غيرهم، وسجلوا حضوراً لافتاً، وهم في حقيقة الأمر ما يخدعون إلّا أنفسهم، وهذا ما تجلّى في الكثير من المواقع الإلكترونية، وفي الصحافة الورقية، ويطلقون على أنفسهم مسميات ما أنزل الله بها سلطان!

وما أحوجنا إلى موظف صادق ومخلص في عمله، بعيد عن استغلال ما يجري، لا أن يستغل عمله الوظيفي ومكانته في أن يُعامل الناس بصورةٍ سيئة، وفيها تعالٍ و"أستذة"، ويظل شعاره: (ادفع بالتي هي أحسن)!

وما أحوجنا إلى صديق وفي ومخلص، وإن ندر وجوده في هذا الوقت بالذات، يدفع البلاء عن أصدقائه، ويقف سنداً قوياً إلى جانبهم إذا ما أصابهم مكروه ما، لا أن يتحامل عليهم ويؤنّبهم في ملمّاتهم، ويُعاملهم في تملّق وتذمّر أحمق، ويستخف بقدراتهم وإنجازاتهم!

وما أحوجنا إلى أن نُعيد إلى نفوسنا دفئها، وأن نهيّئ أمامها طريقاً سليماً، معافى خلياً من النرجسية والحقد الأعمى الذي لا يعرفُ طريقه إلى نياط القلوب.

وما أحوجنا إلى حب الناس، بصدق، ونبذ البغضاء حتى نتمكن من أن نعيش حياة كريمة ورتيبة ومعافاة.

وما أحوجنا إلى قلب كبير، قادر على أن يحضن الجميع بحب، وأن يرسم السعادة أمام عشاقه ومحبوه.

في المقابل، بعد كل هذا وذاك هل نستحق كل هذا الحب؟

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.