في فلسطين ألف "كييف" وعقود من النضال

في فلسطين ألف "كييف" وعقود من النضال

07 مارس 2022
+ الخط -

قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن حربه على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي، مخالفا بذلك كل التصريحات الروسية التي كانت تنفي وجود نية لغزو أوكرانيا، لتتأكد لنا صدقية التقارير الأميركية والغربية التي تحدثت مرارا عن سيناريو اجتياح روسي تم تجهيزه.

حرب بوتين على أوكرانيا تأتي في سياق سعيه لإعادة بناء دائرة النفوذ السياسي الروسي في شرقي أوروبا ومنع الناتو من نصب صواريخه بجوار الكرملين، وكذلك محاولة لاستعادة النفوذ الذي فقدته موسكو في الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل إستونيا، ولاتفيا، وجورجيا وليتوانيا وأوكرانيا، مصحوبة برغبة شخصية "بوتينية" لإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية.

وبعيدا عن أهداف بوتين ومراميه التي باتت واضحة، ثمة جدل أخلاقي يجتاح منصات التواصل الاجتماعي حول موقف الغرب من تلك الحرب وتداعي أوروبا لإظهار وحدة غير مسبوقة في دعم أوكرانيا، وصولا لعنصرية بعض إعلامييه التي برزت في تبرير تعاطفهم مع اللاجئين بأنهم "أصحاب شعر أشقر وعيون زرقاء".

لتفكيك تلك الإشكاليات ينبغي الانطلاق من فهم واضح للغرب الذي تسيّره المصالح وليس الأخلاق، يوجد طبعا انحياز عاطفي عنصري لأوكرانيا حيث إنها شقراء ذات عيون زرقاء وتشبه أوروبا في الدين والعادات، لكن لنتذكر أن واشنطن دعمت المجاهدين الأفغان، وكانت أبواب البيت الأبيض مفتوحة لهم عندما توافرت مصلحة أميركية غربية في دعمهم لمواجهة الاتحاد السوفييتي. الحقيقة الثابتة أن سياسيي الغرب ماديون لا يؤمنون بالمبادئ، وإنما يبحثون عن المصالح، ولا يعبؤون بالمآسي الإنسانية وإلا لكانت مأساة حرب اليمن أوجب والتي عوضًا عن وقفها، شاركت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والغرب عموما في التسبب بها عبر دعم الدول التي شنت حربا على اليمن بالسلاح، وغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان هناك.

كيف تكون ضحية لاستبداد وتناصر مستبدا يغزو بلدا آخر، هناك صحافيون وسياسيون كانوا مشاهيرا تحولوا لمهرجين يصفقون لبوتين، ويبررون جرائمه

صحيح اليوم أن هناك تعاطفا واسعا وغير مسبوق مع أوكرانيا، ودعما عسكريا لم نجد في الحالة السورية على سبيل المثال 1% منه، لكن صحيح كذلك أن الغرب يرفض حتى الآن التدخل العسكري المباشر، تاركا الأوكرانيين يواجهون ثاني أقوى جيش في العالم، حتى أن الرئيس الأوكراني نفسه اتهم الناتو بتعمد تركه وشعبه يموتون، لننتهي من كل ذلك لخلاصة مفادها أن واشنطن وحلفاءها يستعملون أوكرانيا في حربهم مع روسيا ولا يدعمونها بالمجان، أي يمارسون ما يعرف بـ "حرب الوكالة"، وسيقاتلون فيها حتى آخر أوكراني، وليسوا في وارد فقدان جندي من أجل عيون الأوكرانيين والأوكرانيات الزرقاء.

من حقنا الشعور بالخيبة في المحصلة لوجود ازدواجية غربية بشكل أو بآخر حتى لو في قدر التعاطف، وهو شعور مشروع، لكن سياسيا الدول تقيم سياساتها على المصالح، والمصالح فقط، وهذا هو الدرس الأهم في قراءتنا الضرورية لمقاربات الغرب المادية البحتة في كل مسلكياته، الغرب مادي التفكير والمقاربة، لكن الغربيين يستعملون مبررات أخلاقية لتبرير سياساتهم وحروبهم غير الأخلاقية.

من جهة أخرى وفي نظرة إلى عالمنا العربي ومتابعته للحرب، فإن ما يثير العجب أكثر ليس المعايير الغربية المزدوجة، وإنما مسارعة بعض ضحايا الاستبداد في العالم العربي لمناصرة روسيا والتصفيق لغزو بوتين لأوكرانيا، كيف تكون ضحية لاستبداد وتناصر مستبدا يغزو بلدا آخر، هناك صحافيون وسياسيون كانوا مشاهيرا تحولوا لمهرجين يصفقون لبوتين، ويبررون جرائمه.

مسألة أخرى أن بعض منتقدي العنصرية الغربية، رغم أن انتقادهم صائب، إلا أنهم بالذات لا يحق لهم عقد مقارنات، لأنهم يمجدون خطابا عنصريا أبشع في بلدانهم، ويمارسون عنصرية ضد أبناء جلدتهم، خصوصا الإعلاميين الذين يشتغلون كأبواق للنظم المستبدة، هم لا يمارسون العنصرية فقط، وإنما حرضوا ويحرضون على القتل، عبر تبريرهم جرائم حكوماتهم بحق المعارضين أو أصحاب الرأي الآخر، وكذلك تحريضهم على اللاجئين. بالمناسبة ما حال اللاجئين السوريين على سبيل المثال في بلداننا العربية؟؟ يعانون ويلات الاضطهاد وموجات كراهية!

أخيرا.. في فلسطين ألف "كييف" وعقود من مقاومة الغزاة، وبحار من الدماء، وقصائد شكسبيرية ومعلقات، هناك خاض أطفال الحجارة، وشيوخ جنين وأشبال غزة معارك الشرق كل الشرق، فيما وقف الغرب مع القتلة، هناك في دمشق ألف كييف ومقابر، نحن مع كييف‬ لكن الغرب الذي يبكيها منافق، بلا ضمير.

دلالات

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.