فصل جديد لسورية ودروس عن اللاجئين

11 ديسمبر 2024
+ الخط -

أثار سقوط نظام بشار الأسد في سورية أخيراً موجةً من الأمل والاحتفال بين السوريين في جميع أنحاء العالم. فبعد أكثر من خمسة عقودٍ من الديكتاتورية الوحشية والعنف واسع النطاق والمعاناة التي لا يمكن تصوّرها، أصبح حلم الحرية حقيقةً ملموسة. لا تمثّل هذه اللحظة التاريخية فصلاً جديداً بالنسبة إلى سورية فحسب، بل تحمل أيضاً دروساً مهمّةً للمجتمع الدولي حول معالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللاجئين.

بلد يستيقظ من جديد

لسنواتٍ طويلة، عانى الشعب السوري من نظام حكمٍ قمعي بقبضةٍ من حديد، ما أجبر الملايين على الفرار بحثاً عن ملجأٍ في البلدان المجاورة وخارجها. تحمّلت دول مثل لبنان وتركيا العبء الأكبر من هذا النزوح، حيث استضافتا ملايين اللاجئين الذين تركوا وراءهم منازلهم وعائلاتهم ومستقبلهم.

ولكن، مع سقوط نظام الأسد، تغيّرت ملامح المشهد في جميع أنحاء سورية. فالشوارع التي كانت مليئة بالخوف واليأس باتت حافلةً بالابتهاج. يلوّح الناس بالعلم السوري، يغنون أغاني الحرية، ويعبّرون عن تفاؤلٍ جديد. لأوّل مرةٍ منذ زمن طويل نرى السوريين، بغضِّ النظر عن انتماءاتهم وخلفيّاتهم، متحدين في عزمهم على إعادة بناء وطنهم ليكون رمزاً للعدالة والمساواة والحرية.

الشوارع التي كانت مليئة بالخوف واليأس باتت حافلةً بالابتهاج

إنّ هذه الروح الوطنية المتجدّدة تعكس إرادة الشعب السوري التي لا تُقهر، وتُظهر قدرتهم على الصمود في وجه المحن وإعادة بناء أمةٍ تقوم على الكرامة والديمقراطية.

عودة اللاجئين

واحدة من أبرز النتائج المؤثرة لهذا التحوّل التاريخي، عودة اللاجئين السوريين. لسنوات، وُجّهت اتهامات لبعض اللاجئين بأنّهم غادروا سورية بحثاً عن فرص اقتصادية. لكن الواقع يكشف أنّ معظمهم فرّوا هرباً من الحرب والاضطهاد.

الآن، مع رحيل النظام، تشهد الحدود موجات من السوريين العائدين إلى ديارهم من لبنان وتركيا. تعبر العائلات الحدود بدموعٍ مختلطة بالارتياح والترقب، حريصة على لمّ شملها بأحبائها وإعادة بناء حياتها في سورية المحرّرة. هذا المشهد يُعدّ دليلاً قاطعاً على أنّ اللاجئين لم يغادروا وطنهم طوعاً، بل أُجبروا على ذلك بفعل القمع.

تشير هذه العودة الجماعية إلى رسالة مهمة للمجتمع الدولي: الأسباب الجذرية للنزوح تكمن في الاضطهاد والاستبداد. وعندما تسود الحرية ويُزال القمع، يختار اللاجئون العودة إلى ديارهم لإعادة بناء حياتهم.

درس للعالم

تُقدِّم التجربة السورية درساً حاسماً لمعالجة أزمة اللاجئين العالمية. فاللاجئون لا يُجبرون على الهجرة بدافع الاختيار، بل نتيجةً للأنظمة القمعية والعنف الممنهج وحرمانهم  حقوقهم الأساسية.

إذا أراد المجتمع الدولي حقاً تقليل أعداد اللاجئين في العالم، فعليه معالجة الأسباب الجذرية للهجرة القسرية. ويبدأ ذلك بإنهاء دعم الأنظمة الاستبدادية، والوقوف بجانب الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والديمقراطية. لفترة طويلة، كانت المصالح الجيوسياسية تتفوّق على حقوق الإنسان، ما أدى إلى إطالة أمد الصراعات والأزمات الإنسانية.

الأسباب الجذرية للنزوح تكمن في الاضطهاد والاستبداد

إنّ دعم الديكتاتوريات لا يُطيل المعاناة فحسب، بل يُعزّز أيضاً حالة عدم الاستقرار، ويُنتج موجاتٍ من النزوح تؤثر في الدول المجاورة والعالم بأسره. بالمقابل، فإنّ الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان يُسهم في بناء دول مستقرة ومزدهرة، حيث يمكن للناس العيش بكرامة وأمان.

يُظهر سقوط نظام الأسد أنّ الحرية هي الطموح الأسمى للشعوب المضطهدة. السوريون لم يختاروا مغادرة وطنهم، بل أجبرتهم الحرب والقمع على ذلك. الآن، مع تحقّق الحرية، يختارون العودة إلى ديارهم، ما يُعدّ شهادة قوية على أهمية الحرية في حياة الإنسان.

المضيّ قدماً

بينما تبدأ سورية رحلة إعادة الإعمار الطويلة، يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً محورياً في دعم تعافيها. يشمل ذلك تقديم المساعدات الإنسانية، وتسهيل العودة الآمنة للاجئين، والاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات والمجتمعات.

علاوة على ذلك، يجب تطبيق الدروس المستفادة من التجربة السورية على نطاق عالمي. ينبغي للحكومات والمنظّمات إعادة تقييم سياساتها تجاه الأنظمة الاستبدادية، وإعطاء الأولوية لحماية حقوق الإنسان. فمن خلال معالجة الأسباب الجذرية للنزوح، يمكن خلق عالمٍ لا يُجبر فيه أحد على مغادرة وطنه.

لقد أظهر الشعب السوري شجاعةً ومرونةً استثنائيتين في مواجهة الشدائد. فنضالهم وانتصارهم يُمثِّلان منارة أملٍ للمظلومين في كلِّ مكان. وبينما يعملون على إعادة بناء وطنهم، يذكروننا جميعاً بأنّ الحرية والكرامة تستحقان النضال.

إنّ سقوط نظام الأسد ليس مجرّد نقطة تحوّل لسورية، بل هو دعوة للاستيقاظ، إذ يؤكد هذا الحدث الحاجة الماسة لإنهاء دعم الأنظمة الديكتاتورية وتمكين الشعوب من تحقيق الحرية والديمقراطية.

إنّ مشهد عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم يُبرز بجلاء المعنى الحقيقي للنزوح: لا سعياً وراء الثروة، بل هروباً من القمع. وبينما يُراقب العالم إعادة بناء سورية، علينا أن نلتزم خلق مستقبلٍ يضمن لكلِّ فرد الحق في العيش بحريّة وأمان وكرامة.

معاً، يمكننا بناء عالمٍ تسوده قيم العدالة والمساواة والحرية، عالمٍ تصبح فيه أزمة اللاجئين جزءاً من الماضي.