غريب في وطني (1)

غريب في وطني (1)

06 يناير 2021
+ الخط -

في أوائل أيامي في دنيا الاغتراب، حصلت معي مشكلة في الإقامة، طلبوا مني مراجعة دائرة الجوازات، ذهبت إلى هناك، أخذت رقما، لم يمر سوى بضع دقائق حتى جاء دوري، ذهبت إلى الموظف حيث رقم بطاقتي، كان هناك كرسي أمام الموظف لم أتجرأ على الجلوس أمامه، بقيت واقفاً و بدأت أشرح للشرطي مشكلتي، طلب مني الجلوس فجلست..

قال لي الموظف الشرطي: موضوعك عند العقيد مدير الدائرة، اصعد إلى الطابق الثالث. عندما قال لي عقيد و مدير بدأت فرائصي ترتجف، كيف لا وأنا أتلعثم أمام أي عسكري أو شرطي، لأنني اتوقع أن يسحقني في أية لحظة.

صعدت على الدرج،  درجة إلى الأعلى ودرجتين إلى الأسفل من شدة خوفي.. أخيرا وصلت إلى الطابق الثالث. دخلت إلى غرفة سكرتير المدير، يا إلهي من فخامتها! ساعتها زادت من مخاوفي أكثر وأكثر، هذا السكرتير.. فما بال المدير!

رحب بي  قال لي تفضل،  وطلب مني الجلوس على الكرسي أمام طاولته. على الطاولة أمامي كان هناك "ترمس"  مليء بالشاي وآخر مليء بالقهوة و صحن من التمر الفاخر. قال لي تفضل "صب هذا شاي وهذه قهوة"، هنا تنفست الصعداء قليلا، وشرحت له مشكلتي، أشار إلى باب داخلي مفتوح تفضل إلى عند العقيد، تمنيت لو ينهي لي مشكلتي من عنده من الواضح أنه رجل محترم.

خلال لحظات أنهى لي معاملتي واعتذر مني ثانية وطلب مني السماح قبل أن أغادر. خرجت وكنت أظن نفسي أني في حلم و سوف أستيقظ الآن لأجد نفسي في الفراش

أول ما ولجت قدماي داخل غرفة العقيد، وجدت عنده ثلاثة ضباط يتبادل معهم الأحاديث والضحك.. ورجعت بسرعة إلى السكرتير..

- قال: ما بك؟
- قلت: عنده ضيوف أو اجتماع..
- قال: ادخل لا عليك..
- قلت: لست في عجلة من أمري.. ممكن أن أنتظر ريثما يسمح له الوقت.
- قال: عملك أهم.

أصابتني الدهشة من كلام السكرتير.كيف عملي أهم؟

دخلت المكتب على مضض بعد إصرار السكرتير، وأنا متوقع أن يوبخني أو يطردني المدير العقيد بعد أول كلمة، كيف تجرأت على الدخول وعنده ضيوف أو اجتماع!؟

قال لي العقيد: تفضل يا أخي وهو مبتسم.

شرحت له مشكلتي، فجأة  انقلبت ملامح وجهه إلى غضب، هنا بدأت أصدق كل مشاعر خوفي وقلقي.. يا إلهي ماذا سيحل بي؟

رفع سماعة الهاتف وسألني: أي موظف أرسلك إلى هنا؟
- قلت: رقم ثلاثة.

"ألو يا سعيد أنت كيف تبعث المراجع  لعندي بدون ما تفهم وضعه، أوقات الناس ما هي بلعبة.. الناس عندهم أشغال وما بيصير تضيعون أوقاتها.. أنتم هنا لكي تخدموا الناس وليس من أجل إضاعة وقتها"..

أغلق سماعة الهاتف وقال لي: ارجع لعنده و إذا ما  خلص لك أمورك ارجع لي.

بدأت أنزل على الدرج و يا ليتني لم أصعد. من المؤكد أن الشرطي الآن سيسحقني أو على  الأقل سيخرج لي  مليون مشكلة، لكي يعطل أو يلغي إقامتي.

رجعت إلى الشرطي فقابلني وكأن شيئاً لم يكن..

قلت له: والله لم أشتكِ عليك.
قال: لا عليك أنا فهمت عليك غلط، وهذا خطئي وليس خطأك.

خلال لحظات أنهى لي معاملتي واعتذر مني ثانية وطلب مني السماح قبل أن أغادر. خرجت وكنت أظن نفسي أني في حلم وسوف أستيقظ الآن لأجد نفسي في الفراش.

كيف لا وأنا لا يغيب عن بالي لحظة عندما كنت في وطني العزيز، عندما كنت طالباً وذهبت إلى موظف شعبة التجنيد لكي أقدم له وثيقة تأجيل دراسية عن خدمة الجيش. دققت الباب بلطف و فتحته بهدوء، كان مجندا يرتدي بدلة عسكرية "مجعلكة" يجلس خلف طاولة حديدية ثلاثة أرباعها صدئ ، كانت  بيده سندويشة  فلافل يأكلها، وكاد يأكلني بعينيه لمجرد قابلت عيناي عينيه، رمقني بنظرة غضب، وقبل أن أتحدث بحرف واحد قال لي: "مانك شايفني عم أفطر ارجع بعد نص ساعة".

غبت ثلاثة أرباع الساعة، ورجعت قال: "شو بدك".. قلت له: أريد تقديم مصدقة تأجيل دراسية.. قال لي: مشغول روح غيب نص وتعال. غبت ساعة ورجعت فلم أجده في المكتب، سألت الموظفين عنه.. قالوا لي خرج  اليوم ولن يعود، قلت لهم ألا يوجد من ينوب عنه، قالوا لي: تعال بكرا.

ED62846A-8705-4394-95B1-4C8646BF5DC1
معاذ عبد الرحمن الدرويش

كاتب ومدون.. أكتب المقال والقصة القصيرة، وأنشر في مواقع عربية عدة.

مدونات أخرى