غرافيتي ضد الحرب على جدران المدن الروسية

غرافيتي ضد الحرب على جدران المدن الروسية

28 مارس 2022
+ الخط -

يُعتبر الغرافيتي والكتابة على الجدران شكلاً فعالاً من أشكال النقد السياسي والذي يسهل الوصول إليه، حيث تعمل هذه الأدوات بمثابة "منبه ساعة" عندما يتعلق الأمر بمشاركة الاستياء السياسي.

وكثيراً ما يلجأ النشطاء في الحقول الاجتماعية والسياسية إلى الجدران من أجل التحايل على سيطرة السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية على الشارع وكم الأفواه والحدِّ من حرية التعبير والتجمع، والجدران في العرف الشائع "دفاتر المجانين".

يستخدم اليوم النشطاء -من رسامين وتشكيلين وفنانين وهواة- هذه الجدران من خلال الطلاء بالرش، كما كان يفعل "الرجل البخاخ في ثورات الربيع العربي"، لمشاركة مناظر قوية التعبير في المدن الروسية، معلنين صراحة مناهضتهم للحرب الروسية في أوكرانيا. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، عاد شعار "لا للحرب" إلى الظهور بكثافة على جدران كافة المدن الروسية.

علامات مرسومة بالرش برسالة بسيطة "لا للحرب!" ظهرت في وقت مبكر من 25 فبراير/شباط، حتى قبل أول تظاهرة كبرى مناهضة للحرب في موسكو. تم رسم هذه الرسالة نفسها في محطات المترو وساحات المدارس وشوارع المشاة في موسكو وسانت بطرسبرغ، وهما أكبر مدن روسيا وكانتا تقليديًا مركزًا للمعارضة السياسية، وكذلك في المدن الأصغر بما في ذلك ليبيتسك وإيركوتسك وسامارا وتومسك.

استجاب بعض فناني الغرافيتي لهذا من خلال الذهاب إلى الظل، ورسم الأعمال الهامة في المباني المهجورة وفي ضواحي المُدن لتجنب الكشف عن هويتهم

بالإضافة إلى علامات "لا للحرب" في كل مكان، يرسم الفنانون قطعًا أكثر تعقيدًا مع انتقادات مستهدفة فلاديمير بوتين والنظام السياسي الذي يمثله. في موسكو على سبيل المثال، استخدم فنان مجهول عبارة "أنت تحملنا إلى الجحيم" ما يشير إلى أن الكرملين يجر البلاد إلى صراع غير مرغوب فيه. في سانت بطرسبرغ، ظهرت لافتة مجهولة "الكلب المفقود" في المترو، تصف البحث عن حيوان أليف اسمه السلام. كُتب على اللافتة: "في 24 فبراير/شباط 2022، سرق رجل بغيض له ملامح على وجهه من مادة البوتوكس سلامنا!".

تؤكد أعمال أخرى مجهولة الهوية بأحرف كبيرة أن "بوتين معتدٍ" و"لصوص الكرملين بحاجة إلى الحرب، لكن ليس أنا أو أنت". يشير الأخير، على وجه الخصوص، إلى أن نظام فلاديمير بوتين يستفيد من حربه في أوكرانيا، إما من خلال الاستيلاء على موانئ المياه الدافئة على البحر الأسود وتنصيب حكومة موالية للكرملين في كييف، أو من خلال جني الأرباح من العقود العسكرية.

قبل حظره في 14 مارس/آذار في روسيا، استفاد النشطاء الروس من تركيز إنستغرام على الصور لنشر المعلومات حول أماكن الاحتجاج. أبلغت إحدى منشورات إنستغرام سكان موسكو عن احتجاج يوم 24 فبراير/شباط دون تحديد أي تفاصيل في النص. يصر التعليق على أن "هذه مجرد صورة جميلة"، وتحتوي الصورة على رسم تخطيطي للشاعر الروسي الكبير ألكسندر بوشكين والرقم سبعة محاطاً برمز تعبيري لرجل يمشي. كان على الأتباع ذوي الدوافع السياسية حل مشكلة إعادة النشر لمعرفة مكان وزمان المظاهرة. يشير رمز تعبيري للمشي إلى اللغة المشفرة "المشي" للاحتجاج، وتوجه صورة بوشكين الناس إلى ساحة بوشكين، وهي مساحة مفتوحة للمشاة في وسط موسكو، والرقم سبعة هو علامة، أو إشارة، إلى الساعة السابعة عند المساء.

أدى اعتقال 15 ألف متظاهر وصحافي مستقل وسياسي معارض وفنان غرافيتي، إلى زيادة مخاطر المعارضة بشكل كبير. واستجاب بعض فناني الغرافيتي لهذا من خلال الذهاب إلى الظل، ورسم الأعمال الهامة في المباني المهجورة وفي ضواحي المُدن لتجنب الكشف عن هويتهم.

على الرغم من القمع، يواصل الفنانون الابتكار لنشر آرائهم النقدية حول الكرملين وانتهاكه الحقوق الفردية وحربه في أوكرانيا. هذا أمر أساسي في إظهار، للآخرين في جميع أنحاء البلاد وحول العالم، أن المعارضة لقيادة فلاديمير بوتين لا تزال حية.

عبد الرزاق دحنون
عبد الرزاق دحنون
كاتب سوري.. بدأ الكتابة عام 1980 في مجلة الهدف التي أسسها غسان كنفاني.