عن حبّ الوطن

عن حبّ الوطن

03 اغسطس 2021
+ الخط -

يرى كاتب كبير أنَّ هناك خلطاً كبيراً بين حبّ الوطن والحفاظ عليه وصون مقدراته، الذي يدعيه كثيرون، والعشق الأبدي للزوجة، فأيهما نفضل؟

من خلال استعراضي لما جاء في محتوى المادة أشار الكاتب إلى دور المرأة غير العادي في الحياة التي نعيش، وغير المحدود في العطاء الذي لا يمكن أن يضاهيه أو يحده دور آخر، حتى وإن تمت مقارنة ذلك مع ما صار يطفو إلى السطح في هذه الأيام، من تساؤلات عن الوطن وواجب الدفاع عنه، وما يعني ذلك بالنسبة للإنسان، ألا وهو حب الوطن الذي يتغنّى به كثيرون وبدون مبرر.

إنَّ حبّ الوطن، بالنسبة لي، شيء عادي وعادي جداً ولا يمكن أن يقارن بأي نوع من الحب مهما سما وارتفع، لأنه باعتراف الكاتب فوق الجميع ولا يمكن المساس به. قد يكون هذا صحيحاً في حال كان للوطن دوره في الحفاظ على أبنائه، ووفّر لهم مقدرات العيش الكريم، ولبّى حاجاتهم وانصاع لها، واحترم قدراتهم، وكرّمهم.

وبرأي الشخصي، فإنَّ حبّ المرأة ـ الزوجة يتجاوز كل الحدود.. وعشق الوطن مجرد كذبة كبيرة يُراد منها النفخ في قربة مقطوعة، وتلميع جانب هو أقل من العادي بالنسبة للإنسان.

ما قيمة ذاك البلد الذي عامل أبناءه بالقسوة، وكان بمثابة الجلاد الذي لم يخلص أحد من ظلمه أو خديعته أو معاملته السيئة، وانتهى به الحال نزيل السجن

حب الوطن شيء عادي جداً، وهو مثله مثل أي شيء آخر في الوجود يمكن أن يُحب أو يترك على الرف وينسى وبالنتيجة لا قيمة له بالمطلق. فلا أهمية لوطن لا يترك أي أثر بالنسبة لأبنائه، وهذا الأثر مجبول بالعشق والعطاء والبذل، فلا يعني الوطن بالنسبة لي شخصياً أي شيء، إنه مثل أي مكان آخر في الحياة ولدنا وعشنا على ترابه وكفى، فهل يعني ذلك هو أن نموت ونحيا من أجله للحفاظ عليه والذود عنه إذا لم يقدم لأبنائه أي ميزة من الميزات الكثيرة في الحياة التي سبق قرأنا أو سمعنا عنها، أو حتى لمسناها في كثير من البلدان والأمم التي زرناها، سواء لجهة الراحة والأمل، ولكن في الحياة فإنه مجرد من كل ذلك، أما المرأة ـ الزوجة فدورها كبير ولا يمكن أن يقاس بحب الوطن أو يقارن.. فها نحن اليوم نعيش في بلد آخر غير البلد الذي ولدنا وعشنا على ترابه، ماذا يعني ذلك في حال قارنا هذا بذاك. أظن أن الفارق كبير وكبير جداً.

برأيي الشخصي، إن البلد الذي وفّر سبل الراحة والأمان والاطمئنان، لغير أبنائه، وحافظ على كيانهم وقدم كل ما بوسعه للحفاظ عليهم أفضل ألف مرة من ذاك البلد الذي ولدوا فيه وعاشوا على أرضه ردحاً من الزمن، وسبق أن عانوا في ظله الكثير من الذل والعوز والإهانة والفقر والحرمان والقهر.

فما قيمة ذاك البلد الذي عامل أبناء بالقسوة، وكان بمثابة الجلاد الذي لم يخلص أحد من ظلمه أو خديعته أو معاملته السيئة، وانتهى به الحال نزيل السجن، أو نال منه الموت الزؤام بعد أن تعرض لكثير من صنوف العذاب التي كانت تنتظره..

أي وطن ذلك الذي يحلم به الإنسان، ويفاخر به ويصفق له ويحترم أرضه وحكومته ما دام يحمل كل هذه الصفات التي لم تعد تنطلي على أحد.

أظن جازماً أنه من غير المستحسن أن يكون هناك الكثير من الألم الذي يخدش أجسامنا والشعور بالذنب تجاهه؛ لأنه اغتال الكثير من الأشخاص البسطاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل ترهاته، ومعتركاته، فكانوا ضحايا الواقع الذي قلب عليهم المواجع ورماهم في أحضان رجال مجرمين لا هدف لهم سوى إذلالهم وهدر دمهم، وبالمجان، لمجرد الخلاص منهم بدون أدنى أي سبب ما.

فالمرأة يظل دورها كبيرا  وكبيراً جداً ولا يمكن بحال الاستغناء عنها، وحتى في حال غيابك عن الوطن الأم الذي تدعيه الأغلبية وتتغنّى به تحت أي عنوان كان.

تظل المرأة التي عشت تحت جناحها، وقدمت لك جلّ خدماتها ورعايتها، واهتمت بك وحافظت عليك، على حساب راحتها وحرمانها من كثير من الأشياء في الحياة، لا شك أفضل ألف ألف مرّة من وطن لا يستحق التحية ولا السلام.

ألا تستحق تلك المرأة ـ الزوجة إذاً كل ذلك الاحترام والحنان والخوف عليها، وصونها من كل اعتداء. إنها تستحق، برأيي، المزيد من ألوان الحبّ والعطف والاحترام بدلاً من وطن لا كيان ولا هوية ولا مبدأ ولا أصل له سوى الاسم.

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.