عن المقاومة وسلاحها

23 ابريل 2025
+ الخط -

اعترف الوزير الإسرائيلي المتطرّف، بتسلئيل سموتريش، بأنّ هدف الحرب ليس تحرير الرهائن، ولقد كان ذلك واضحاً منذ اليوم الأوّل من دون الحاجة لاعترافه. إذ كان بإمكان نتنياهو استعادة الرهائن في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في الصفقة الأولى، لكن حكومته (كما قال سموتريش) لا تهدف لاستعادة الرهائن.

ولا تهدف حرب الإبادة لاقتلاع حماس كذلك، أو الردّ على السابع من أكتوبر إنما تستعمله ذريعة لتنفيذ مشروع التهجير، وحسم الصراع مع الفلسطينيين عبر طردهم، وهو الأمر الذي تعبّر عنه حكومة اليمين الفاشي في إسرائيل من خلال "تنفيذ خطة الرئيس ترامب"، ما يعيدنا للجدل حول سلاح المقاومة ومحاولة الربط الجاري حاليًا بين تسليمه وبين إنهاء الحرب، والذي هو رهان لا يقوم على افتراض متماسك.

ويشير المؤرّخ، إيلان بابيه، في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، إلى أنّ "عمليات نزع سلاح الفلسطينيين خلال النكبة كانت جزءا من استراتيجية التطهير العرقي التي هدفت إلى إضعاف مقاومة الفلسطينيين، ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم، وضمان تفوق القوات الصهيونية وسيطرتها على الأرض". وكما كانت عمليات نزع سلاح المقاومة في النكبة الأولى استراتيجية للتطهير العرقي، كما يقول بابيه، فهي في النكبة الحالية كذلك، وترمي لتجريد الفلسطينيين من أسلحتهم تسهيلًا لطردهم من دون مقاومة.

لا نتحدّث في غزة عن سلاح دولة، فلا دبابات، ولا طائرات، ولا حتى مضادات طيران، ولا نووي كما في حالة إيران، فالمقاومة الفلسطينية المحاصرة منذ 18 عاماً قبل حرب الإبادة و18 شهرًا بعد الإبادة لا تمتلك ترسانة سلاح ولا خلافه، إنما أسلحة خفيفة دفاعية، ولا تشكّل تهديدًا لإسرائيل عقب تدميرها للقطاع عن بكرة أبيه. لكن إسرائيل تستعمل هذه المروية لتحقيق غرضين: أولهما إطالة الحرب من أجل استكمال التدمير والتهجير من جهة، ومن جهة ثانية دك إسفين بين المقاومة وحاضنتها، زاعمةً أنّ تسليم السلاح سيُنهي المذبحة، وهذا غير صحيح مطلقًا. فبتتبع بسيط لما يقوم به جيش الاحتلال منذ عودته للإبادة في التاسع عشر من مارس/آذار الماضي وقبله من قصف عشوائي واستهداف للخيم وأماكن النزوح...، كلُّ ذلك يقول إنّ المستهدف هو الشعب الفلسطيني وليس سلاح المقاومة" غير الموجود أصلا في خيمة الأطفال والعجزة، وليس أصلًا فوق الأرض.

لم يكن سلاح المقاومة في النكبة الأولى المشكلة إنما الاحتلال وخذلان العرب للفلسطينيين، وهو الأمر الذي يتكرّر الآن في النكبة الثانية

ويحق للفلسطينيين استدعاء تجاربهم السابقة منذ النكبة الأولى، فقد دفعت الجيوش العربية الثوار لتسليم سلاحهم وقامت بجمع قطع السلاح منهم وطالبتهم بالمغادرة بذريعة أنّ الجيوش ستعود لتحرير فلسطين لتكون النتيجة 77 عاماً من اللجوء، فلم يكن سلاح المقاومة في النكبة الأولى المشكلة إنما الاحتلال وخذلان العرب للفلسطينيين، وهو الأمر الذي يتكرّر الآن في النكبة الثانية، حيث تطالب دول عربية المقاومة بتسليم سلاحها وتجعل "السلاح" (إن وجد) هو المشكلة وليس الاحتلال وما قام به من تدمير للقطاع وقتل 60 ألفاً وجرح 100 ألف وطائراته وصواريخه الحارقة التي تواصل القصف حتى على حدود تلك الدول التي تطالب بنزع السلاح، بل وتهدّدها!

ويستدعي الفلسطينيون تجربة منظمة التحرير في بيروت، حيث لم تكن نتيجة نزع السلاح ومغادرة ياسر عرفات وقف المذابح بل استشراءها من مجزرة صبرا وشاتيلا إلى مذابح المخيمات الفلسطينية. لم يكن السلاح إذًا هو العقدة كما هو الحال الآن في حرب الإبادة غير المسبوقة، والتي تستهدف هذه المرّة الكينونة الفلسطينية والأرض والإنسان، إنّهم يخطّطون لمذابح أبشع من فظائع صبرا وشاتيلا من أجل تحقيق التهجير. وبغضّ النظر عن جدلية وجدوى نقاش؛ هل المقاومة وسلاحها قادران على منع تلك المذابح أم لا، فإنّ الجدل الرئيسي ينبغي أن يكون وقف تلك الإبادة، وليس محاولة حرف الأنظار عنها أو استدرار المبرّرات لمن يقوم بها.

وافق الرئيس الراحل صدام حسين على فتح كلّ منشآته للمنظمة الدولية للطاقة النووية، ودخل مفتشوها قصره وغرف نومه، ورغم ذلك تمّ تدمير العراق لأنّ الهدف لم يكن نزع السلاح النووي الذي لم يكن موجوداً أصلاً إنما تدمير العراق، والهدف الآن هو تدمير قطاع غزّة والضفة وتهجير الفلسطينيين منهما ومن الداخل لإقامة إسرائيل الكبرى.

المسألة ليست سلاح المقاومة، ولا بقاء حماس بالسلطة أو عدمه، وهي التي أبدت أصلا موافقتها على مغادرة السلطة، والهدف ليس غزّة أيضًا، إنّما القضية الفلسطينية برمتها. لذا ينبغي ألا ننخدع، وينبغي تشكيل قيادة فلسطينية موحّدة، وإصلاح منظمة التحرير، وهذا ما جاء في بيان المؤتمر الوطني الفلسطيني الأخير: "المؤتمر الوطني الفلسطيني يدعو جماهير شعبنا وقواه الوطنية إلى التصدّي لمحاولات تصفية القضية الوطنية، وتفتيت وحدة الوطن والنظام السياسي الفلسطيني، ويشدد على ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني بشكل عاجل، ليضطلع بدوره ويتحمّل مسؤولياته في مواجهة التحديات الراهنة. كما يدعو إلى تشكيل قيادة وطنية موحّدة، تضم جميع المكونات السياسية الحقيقية والقوى الاجتماعية لشعبنا". 

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أ. أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.