عن الأمة الخائفة وفن الهراء والصداقات الذكورية

عن الأمة الخائفة وفن الهراء والصداقات الذكورية

26 اغسطس 2021
+ الخط -

ـ "وحدي. منذ زمن طفولتي لم أكن كما كان الآخرون، لم أر كما رأى الآخرون، لم أستطع أن أستقي عواطفي من ينبوع مشترك. لم آخذ حزني من المصدر نفسه، لم أستطع إيقاظ قلبي للفرحة على نفس النغمة، وكل ما أحببت، أحببته وحدي، ثم ـ في طفولتي ـ في غروب أكثر الحيوات عاصفة، أنتزع السر من كل عمق للصحة والمرض، السر الذي لا يزال يطوقني، من السيل أو من الينبوع، من الجرف الأحمر للجبل، من الشمس التي تدور حولي في مسحتها الخريفية الذهبية، من البرق في السماء وهو يعبر بي طائراً، من الرعد والعاصفة والسحابة التي تأخذ شكل الشيطان في نظري (حينما تكون باقي السماء زرقاء)."

إدجار آلان بو من الأعمال الشعرية الكاملة ترجمة غادة الحلواني، مراجعة إدوار الخراط.

ـ "قبل أن ينتهي العامل من صعود درجات سلم الجسر الحديدي في طريقه لمقر العمل، تظهر أفخاذ رجل عجوز، يجلس فوق ظهر الجسر، ومع إكمال الصعود تكتمل صورة الرجل الجالس أمام صندوق خشبي يبيع مناديل ورقية. لا يبدو الرجل مهتماً بالبيع أو بالخلاص من كومة العلب فوق الصندوق، يبدو مشغولاً أكثر بتوزيع نظرات اشمئزازه من الجميع، ربما يمنح الشباب نظرات أكثر حقداً، لكنه يحتقر حتى كبار السن. كأن هدفه من الجلوس هنا هو البقاء فوق بقعة مرتفعة ولعن العالم عبر نظراته. انتظر زمناً كي يتمكن من إعلان امتعاضه... وقتاً طويلاً جمّع الرجل فيه أوجاعاً وآمالاً وطموحات وهزائم ومرارات، اختمرت كلها عبر سنين لتصنع تلك النظرة، التي كانت تبدو للعامل كأنها رسالة قادمة من أحد الواصلين لآخر الطريق، رسالة تلتصق بظهر العابرين كأنها بصقة".

محمد فرج من كتاب (مياومة: هايكو عامل معاصر)

ـ "يمكن للمرء أن يمنح الجزئيات قيمة كبيرة، لا تدّعي العادات البرجوازية القدسية والأبدية. كل ما هنالك أشياء عمومية تجري دائما، ولم أكن أبدا من النوع العمومي. كنت دائماً محاكماً قاسياً جداً على الأشخاص، خاصة إن كانوا مُغترّين بأنفسهم، فخورين بذكائهم أو اعتقدوا أنهم يعرفون كل شيء عن الإمبراطورية البريطانية أو دستور الولايات المتحدة. كنت أزدريهم دون إعطاء فرص أخرى، ودون منحهم أي رحمة."

من رواية (الفعلي) لـ سول بيلو ترجمة رزان يوسف سلمان

ـ "في أمة خائفة، يوسم الأسى العام بمناخ من غياب اليقين. إذا احتج أب ضد موت ولده، يخشى أن يُقتل عضو آخر من الأسرة، وإذا اختفى أشخاص تعرفهم، هناك فرصة لبقائهم أحياء إذا لم تسبب إزعاجاً. هذا هو الذُّهان الجارح في البلاد. إن الموت والفقدان لا ينتهيان، وهكذا لا تستطيع أن تسير عبرهما، كانت هناك سنوات تفتيش ليلية، حوادث اختطاف أو جرائم في وضح النهار، والفرصة الوحيدة هي أن الكائنات التي قاتلت ستستهلك نفسها، وكل ما تُرك من القانون هو الإيمان بانتقام نهائي من أولئك الذين يتمتعون بالسلطة".

من رواية (شبح أنيل) لـ مايكل أونداتجي ترجمة أسامة إسبر

ـ "الوسيلة هي جزء من الحقيقة، مثل النتيجة تماماً، يجب أن يكون البحث عن الحقيقة حقيقياً في حد ذاته، البحث الحق هو الحقيقة المستخدمة، حيث الأفراد المتناثرون يتحدّون في النتيجة".

من رواية (الأشياء: حكاية من الستينيات) لـ جورج بيريك ترجمة محمد فطومي

ـ "الصحافة فن تحويل الأشياء العظيمة إلى هراء"

جملة على لسان أحد أبطال رواية (الإرهابية المجهولة) للروائي الأسترالي ريتشارد فلاناغان ـ ترجمة حنان المسعودي

"الكِبر في استيفاء الحق من غير ظلم، كالتواضع في أداء الحق من غير ذلك، وكما أن المنع في موضع الإعطاء حرمان، كذلك الإعطاء في موضع المنع خذلان، كما أن الكلام في موضع الصمت فضل وهذر، كذلك السكوت في موضع الكلام لُكنة وحصر".

أبو حيان التوحيدي من كتابه (مثالب الوزيرين)

ـ "يتملكني أحياناً شيء من الحسد إزاء الصداقات الذكورية، فهي إن نظرت إليها من الخارج تبدو لك درباً أسهل بكثير من درب الصداقة بين النساء وأبسط منه، فالصداقة بيننا نحن النساء مثل فترة خطوبة أبدية، مكثفة متقلبة ومليئة بالشغف، أما صداقتهم فتشبه غالباً الزواج المنسجم بلا عواطف كبرى ربما ولكن بلا تقلبات كبرى أيضاً."

من رواية (وهذا أيضاً سوف يمضي) لـ ميلينا بوسكيتس ترجمة نهى أبو عرقوب

ـ "كما نرى في التاريخ الماضي، إذا أُضعفت الطبقة الوسطى كثيرا، فسيصبح من السهل الغرق في فوضى محلية، ويمكن أن تتفشى الأوبئة عندما يتراجع التفتيش على مواد الغذاء، ويمكن أن يظهر الإرهابيون الفوضويون، ويتعرض أناس للقتل عندما تكون عناصر المجتمع المشاركة في السياسات قليلة للغاية، وتظهر مشكلات الهجرة وعمالة الأطفال وإدمان المخدرات، وقد تتزايد عندما لا يكون هناك من يتعامل معها، وعندما تبدأ مثل هذه الأزمات في التراكم، سوف تبدأ العناصر المسيطرة، الحريصة دائما على تعظيم الأرباح، في الشعور بالخوف من حدوث ثورة، وعنده هذه النقطة سوف يتوقفون أخيرا عن إنكار وجود مشكلات لا بد من التعامل معها، وسوف يلتفتون إلى الطبقات الوسطى والشرائح العليا من طبقة العمال لاستعادة الهدوء، ولكن لا بد أن نذكر أيضا أن سنوات من الأزمات الاجتماعية قد تمر قبل أن يحدث هذا الانعطاف التاريخي، ولكن في النهاية سوف تحدث وسوف تمر، وتأتي أحيانا أقرب إلى الفاشية، وأحيانا تكون اشتراكية معتمدة على التحالفات السياسية السائدة."

من كتاب صعود أهل النفوذ رؤية جديدة لتاريخ العالم الحديث تأليف بيتر جران وترجمة سحر توفيق

ـ "ريتا ليست اسم امرأة. هي اسم شعري لصراع الحب في واقع الحرب، هي اسم لعناق جسدين في غرفة محاصرة بالبنادق. هي الشهوة المتحدرة من الخوف والعزلة دفاعاً عن بقاء كل من الجسدين في ظرف يتحاربان فيه خارج العناق. منذ خمسة وعشرين عاماً يوقظ الشتاء موقع ذلك الوجع، حيث لسعتني الأفعى، لا، لم يكن حباً بقدر ما كان حادثة ومفارقة، واختباراً لإنسانية الجسد في تحرره من الوعي.... لم يكن في وسع هذه الرغبة أن تنطفئ تدريجياً. كان عليها أن تحترق وأن تحرقنا وكان على كنّاسي الشوارع أن يكنّسوا الحادثة ومغنّيها في الصباح. ولكن من هي ريتا؟ سأبحث عنها مرة أخرى في جسدي، وربما تستطيع قصيدة ما أن تجدها ... ربما!"

محمود درويش من كتاب (أنا الموقع أدناه) بحضور إيفانا مرشيليان

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.