عن الأطفال الذين وُلِدوا في الحرب
حين يُولد طفل تحت القصف، لا يُسمع صراخه فقط، بل تُسجَّل أول هزيمة لطفولةٍ لم تبدأ بعد.
خلال أكثر من عقد من الحرب في سورية، وُلد آلاف الأطفال وسط الدمار، لا يعرفون غير صوت الرصاص، ولا يرون غير جدرانٍ مثقوبة ومنازل بلا أسقف. لم يلعبوا في حدائق، ولم يحتفلوا بعيد ميلادهم في حضن العائلة، ولم يسمعوا قصص الجدة بجانب المدفأة. جيلٌ نشأ على أنقاض الوطن، فهل يمكن أن نتحدّث عن ذكريات سعيدة؟
طفولة مُصادَرة
الطفل السوري الذي وُلد في عام 2011، أصبح اليوم مراهقًا. قضى عمره بين النزوح والحرمان، والمدرسة التي تحوّلت إلى ملجأ، واللعب الذي اختزلته كرةٌ من القماش في مخيّم مكتظ. هؤلاء الأطفال، بعمر الزهور، لم يعرفوا معنى الاستقرار، ولم يشعروا يومًا بأنّ العالم مكانٌ آمن.
الأطفال الذين وُلدوا خلال الحرب، لم يخسروا فقط طفولتهم، بل خسروا حقّهم في أن يكون لهم سجل طبيعي للذكريات، مليء بالأمان والضحك والتجارب البريئة. تربوا على الخوف، وتكوّنت ذاكرتهم العاطفية في بيئةٍ يغيب عنها الشعور بالثقة.
آثار نفسية تمتد لسنوات
بحسب تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومنظّمة الصحة العالمية، فإنّ الأطفال الذين نشأوا في مناطق النزاع يعانون بنسب عالية من اضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات القلق، ومشاكل في النوم، والتبوّل اللاإرادي، والتأخّر في النطق والتعليم.
كلّ طفل ينجو من الحرب من دون أن ينكسر، هو نصر صغير على وحشية العالم
تؤكّد دراسة منشورة في مجلة Lancet Psychiatry أنّ التأثيرات النفسية الناتجة عن الحروب لا تتوقف عند انتهاء النزاع، بل تمتدّ لعقود، وقد تنتقل إلى الجيل التالي عبر ما يُعرف بـ"الصدمة العابرة للأجيال".
هل من أمل؟
وسط هذا الواقع القاتم، تبرز مبادرات محلية ودولية لمحاولة رأب ما يمكن رأبه؛ مراكز دعم نفسي اجتماعي بدأت بالظهور داخل بعض المخيّمات وفي مناطق أخرى، كما أُطلقت حملات تطعيم وتعليم، ومبادرات لإعادة إدماج الأطفال في المدارس.
لكن هل تكفي هذه البرامج؟ هل يمكن لمجموعة جلسات علاج نفسي، أو ورشات رسم، أن تمحو ذاكرة الطيران الحربي، أو صدمة رؤية جثّة الأب، أو الخوف الدائم من فقدان الأم؟ الجواب الواقعي: لا. لكنها بداية. والاعتراف بالحاجة للعلاج النفسي للأطفال يجب أن يكون بندًا أساسيًا في أيّ عملية إعادة إعمار حقيقية، لا تقل أهمية عن بناء المدارس والمستشفيات.
نحو مستقبل مختلف
إنّ بناء مستقبل آمن لهؤلاء الأطفال يتطلّب أكثر من البرامج الإسعافية. نحتاج إلى خطط طويلة الأمد تتضمّن إدماج الدعم النفسي في النظام التعليمي، وتدريب كوادر محلية قادرة على فهم السياق الثقافي والاجتماعي، وإشراك الأهل في برامج التعافي النفسي للأطفال، وتوفير بيئات آمنة ومستقرّة للعب والتعلّم.
لا يمكننا أن نعيد طفولةً فُقدت، لكن يمكننا أن نمنح هذا الجيل فرصة ليرى الحياة بألوانها مجددًا. فكلّ طفل ينجو من الحرب من دون أن ينكسر، هو نصر صغير على وحشية العالم.