عفواً سيدي الشهيد

عفواً سيدي الشهيد

30 مايو 2021
+ الخط -

أن تخوض حرباً مع الكيان الصهيوني الغاصب أهون من أن تخلع ديكتاتورا عربيا! هكذا بدأ صديقي حديثه معي.. فاستفزتني البداية نظرا لكراهيتنا معا للكيان الصهيوني.. فسألته مندهشاً: كيف تقول هذا، وإلى ماذا استندت؟

فأجاب صديقي مسترسلاً.. في الحرب الأخيرة على غزة وهذا الاعتداء الوحشي الصهيوني برا وجوا وبحرا وهذا القصف الذي لم يتوقف ليلا أو نهارا ولمدة 11 يوما متتالية، ورغم الخسائر المادية الكبيرة، لكنني توقفت كثيرا عند عدد الشهداء الذي أعلنته المصادر الطبية في القطاع، والذي كان أقل من ثلاثمائة شهيد، كثير منهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

فبحثت في أكثر من مصدر للتاكد من الرقم، فوجدته صحيحا، فرجعت بذاكرتي لسنوات ليست ببعيدة، فوجدت أن كل الحروب الوحشية التي اعتدى فيها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، لا يتجاوز عدد الشهداء فيها هذا الرقم، باستثناء الاعتداء الصهيوني عام 2014 والذي استمرت فيه الحرب لأكثر من 50 يوما، وتجاوز عدد الشهداء فيها 1000 شهيد، واسترجعت أيضا الحرب التي خاضها الكيان الصهيوني في الجنوب اللبناني مستهدفا تنظيم حزب الله.

الكيان الصهيوني كيان غاصب مجرم محتل له حسابات يعرف متى يبدأ وكيف يبدأ، ومتى يكف وكيف يكف، أما الأنظمة العربية الدكتاتورية المستبدة الغاصبة، فليس لها حسابات، تعرف كيف تبدأ، وليس في حساباتها متى تكف!

وكانت حربا شاملة استخدم فيها الكيان الصهيوني الكثير من إمكانياته القتالية والعسكرية، وراجعت المصادر الصحية اللبنانية في ذلك الوقت، فوجدت أن عدد الضحايا من جراء هذه الحرب لم يتجاوز 400 شهيد..

فاستوقفتني هذه الأرقام، وقادتني إلى أرقام ثورات الربيع العربي، وكم عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم على يد الأنظمة الغاصبة المستبدة..

وهنا لن أتطرق إلى الثورات التي تسلحت مثل الثورة السورية، والتي يقدر ضحاياها حتى الآن بمئات الآلاف، وكذلك الثورة الليبية والتي يقدر ضحايها بعشرات الآلاف، وما زالت هذه الثورة تبحث عن مخرج.. ولن أتطرق للثورة التونسية التي هي على حافة الهاوية الآن، والتي كان عدد شهدائها أقل من 300 نظرا للحيادية الصادقة من قادة الجيش، وهروب بن علي بعد وقت قصير من اشتعال الثورة..

لكنني هنا أتطرق وبقوة إلى يوم واحد من أيام الثورة المصرية المجيدة، والسلمية، وأخص بالذكر يوم 28 يناير، يوم جمعة الغضب، اليوم الذي تحولت فيه المظاهرات السلمية إلى ثورة عارمة..

هل تعلم صديقي العزيز أن عدد ضحايا وشهداء ذلك اليوم تجاوز 800 شهيد حسب المصادر الحكومية، ولجان تقصي الحقائق المختلفة، وفي بضع ساعات فقط، ومن رصاصات الداخلية والقناصة فقط، دون الجيش!.. والله في بضع ساعات، من الواحدة ظهرا إلى التاسعة مساءا، وحتى إعلان الانسحاب التكتيكي المخزي لقطاعات الداخلية..

لكل ذلك عقدت المقارنة، والقياس مع الفارق في القضية والتفاصيل والجغرافيا، الكيان الصهيوني كيان غاصب مجرم محتل له حسابات يعرف متى يبدأ وكيف يبدأ، ومتى يكف وكيف يكف، أما الأنظمة العربية الدكتاتورية المستبدة الغاصبة، فليس لها حسابات، تعرف كيف تبدأ، وليس في حساباتها متى تكف!

المثال بالحرب على غزة ليس تهوينا من القضية الفلسطينية، وهي القضية الأم لكل مواطن عربي يعرف معنى الكرامة، وليس تهوينا من معاناة الشعب الفلسطيني الحر، وليس تهوينا من قدرات وتضحيات المقاومة الفلسطينية الباسلة..

يا صديقي.. أقول لك ثانية: أن تخوض حربا مع الكيان الصهيوني الغاصب أهون من أن تخلع نظاما دكتاتوريا عربيا.. فعفوا سيدي الشهيد.. لقد ذكرناك أرقاما.. وأنت لست برقم.. أنت كيان إنساني عظيم، قتلوا أحلامه وآماله، وقتلوا حاضره ومستقبله.