"طوفان الوعي".. ملحمة المقاومة
لقد شهدت القضية الفلسطينية تحوّلًا نوعيًا بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث أصبحت رمزًا عالميًا للنضال ضدّ الاحتلال والاضطهاد، وهذا التحوّل الذي يمكن وصفه بـ"طوفان الوعي"، برز كحالة فريدة من خلال التضامن العالمي والإدراك المتعاظم بعدالة القضية الفلسطينية، مستندًا إلى تضحيات الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة، التي تجاوزت الجغرافيا لتلامس ضمائر الأحرار في مختلف أرجاء العالم.
بدأ طوفان الوعي مع تزايد الإدراك بأنّ المعركة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي ليست مجرّد صراع حدودي أو سياسي، بل هي معركة وجودية تمسّ كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، فهذا الإدراك جاء نتيجة لأحداث مفصلية، كان أبرزها الصمود البطولي للشعب الفلسطيني في وجه الحروب والاعتداءات المتكرّرة، وآخرها "معركة طوفان الأقصى" التي مثّلت محطّة فارقة في مقاومة الاحتلال. وقد نجحت المقاومة الفلسطينية بكلّ أشكالها في تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين من خلال إصرارها على الدفاع عن الحقوق والمقدّسات، ما جعلها نموذجًا ملهمًا للشعوب المضطهدة، وهذه المعركة ليست فقط عسكرية بل هي أيضًا معركة وعي، هدفها فضح ممارسات الاحتلال وجرائمه أمام العالم، وتحطيم الصورة الزائفة التي يسعى الاحتلال لترويجها عن نفسه.
ويعتبر "الوعي الشعبي" السلاح الأقوى في مواجهة الاحتلال، ومن أبرز مظاهره هو التضامن الشعبي في كلّ بقاع العالم مع القضية الفلسطينية. فقد رأينا كيف اكتسبت المقاومة الفلسطينية دعمًا شعبيًا غير مسبوق من مختلف الشعوب العربية والإسلامية، بل وحتى من شعوب الغرب التي بدأت تدرك أنّ القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية عادلة. بالإضافة إلى ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تعزيز هذا الوعي، رغم الحصار المفروض على كلّ المنشورات التي تمجّد المقاومة، لكن في عصر الإنترنت لم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة، فصور الأطفال تحت الأنقاض، وأصوات الأمهات الثكالى، وصمود الشباب في وجه الدبابات، أصبحت جميعها مواد حيّة تعيد تشكيل وعي الأجيال الجديدة حول طبيعة الاحتلال ووحشيّته.
عدالة القضية الفلسطينية لا يمكن طمسها، مهما حاول الاحتلال استخدام القوّة أو تزييف الحقائق
علاوة على ذلك، فالمقاومة الثقافية والفكرية شكّلت حصنا حصينا للقضية الفلسطينية، فلم تقتصر المقاومة على الميدان العسكري أو التضامن الشعبي، بل امتدّت إلى المجال الثقافي والفكري، حيث أصبح الفن والأدب والإعلام أدوات فعّالة لنشر الرواية الفلسطينية الحقيقية، التي تتحدى رواية الاحتلال وتدحض مزاعمه، فالقصص، والأفلام، والشعر، وحتى المنشورات البسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا من معركة الوعي. كما أنّ استخدام الرموز التاريخية والدينية في خطابات المقاومة الفلسطينية (خصوصا خطابات أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام) مثل: الإشارة إلى القدس كقضية مركزية للعرب والمسلمين، ساهم في تعزيز الهوية الثقافية والنضالية للشعب الفلسطيني، وكذلك هذا الاستخدام جعل القضية الفلسطينية قضية أمة بأكملها وليست فقط قضية شعب واحد.
رغم طوفان الوعي هذا، فإنّ التحديات ما زالت قائمة، فالاحتلال الإسرائيلي مدعومًا بقوى دولية كالولايات المتحدة الأميركية، يحاول تطبيع وجوده ودمجه في المنطقة عبر مسارات سياسية واقتصادية (اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية...)، لكن هذا الطوفان بات حاجزًا أمام هذه المحاولات، حيث أظهرت الشعوب الحرّة رفضها لكلّ أشكال التطبيع والتعاون مع الاحتلال. في المستقبل، يتعاظم دور الأجيال الجديدة التي ورثت شعلة القضية الفلسطينية، فهذه الأجيال التي تعيش في ظلّ عولمة الفكر والمعلومات، قادرة على توظيف أدواتها لإبقاء القضية حيّة في الأذهان، وتحويل الوعي العالمي إلى خطواتٍ عملية تُترجم في دعم المقاومة وإنهاء الاحتلال.
في الأخير، إنّ طوفان الوعي حول القضية الفلسطينية الذي برز بعد السابع من أكتوبر 2023، هو شهادة حية على أنّ عدالة القضية لا يمكن طمسها، مهما حاول الاحتلال استخدام القوّة أو تزييف الحقائق، لأن طوفان الأقصى أعاد تشكيل معادلات الصراع، وأثبت أنّ إرادة الشعوب قادرة على تحقيق المعجزات، وكما قال الناطق باسم القسام فإنّ "كل محاولات دمج هذا الكيان في المنطقة ستواجه بطوفان الوعي". وهذه الكلمات هي دعوة لكلّ أحرار العالم لمواصلة النضال الفكري والثقافي والسياسي من أجل فلسطين، وتذكير بأنّ المقاومة هي فعل وعي وإصرار على استعادة الكرامة والحقّ الفلسطيني.