شكراً ترودو
أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو استقالته من رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء، مع استمراره في أداء مهامه لحين اختيار بديل مناسب والتحضير للانتخابات المقبلة في أكتوبر من هذا العام. بصفتي سوريُّا كنديًّا، أتوجه بخالص الشكر لرئيس الوزراء وحكوماته المتعاقبة على استضافة أكثر من 40 ألف لاجئ سوري، الكثير منهم حصلوا على الجنسية الكندية وأصبحوا مواطنين فاعلين، منهم أطباء، وصيادلة، ومستثمرون، والعديد من الحالات الإنسانية التي وجدت في كندا ملاذًا آمنًا وفرصة لحياة كريمة. في الوقت الذي أغلقت فيه دول عربية كثيرة أبوابها أمامنا، فتحت كندا ذراعيها وقدمت لنا كل الدعم.
أما عن أسباب الاستقالة، فيُعتقد أنها تعود بالأساس إلى الحملة الإعلامية الشرسة التي قادها اليمين الأميركي ممثلًا بالجمهوريين، وفي مقدمتهم إيلون ماسك عبر منصة "إكس"، بالتعاون مع المحافظين في كندا. هذه الحملات أدت إلى خلق حالة من الاستقطاب داخل المجتمع الكندي، وحتى داخل الحزب الليبرالي نفسه، ما أسفر عن تزايد الضغوط لإيجاد قيادة جديدة.
قرار ترودو بالاستقالة في هذا التوقيت يُعتبر خطوة ذكية، إذ يبدو أنه تعلم من التجربة الأميركية، حيث جاء التنحي المتأخر للرئيس بايدن لصالح كاميلا هاريس، ليحرمها من الوقت الكافي لإقناع الناخب الأميركي بمشروعها لإدارة الدولة. في المقابل، يمنح هذا التوقيت الحزب الليبرالي في كندا فرصة لاختيار قائد جديد قادر على طرح رؤية بديلة تُقنع الناخب الكندي، بعيدًا عن ظلال استمرارية ترودو.
على الصعيد الاقتصادي، تأثرت كندا كسائر الدول الغربية بجائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية، حيث ارتفع التضخم لمستويات بلغت 9%، مما دفع البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة إلى 5%، ما تسبب في تباطؤ الاقتصاد وارتفاع البطالة إلى 6.7%، وهي مستويات لم تُسجل منذ عام 2017. لاحقًا، أدى خفض الفائدة السريع في عام 2024 إلى تدهور قيمة الدولار الكندي مقارنةً بالدولار الأميركي، خاصة أن الولايات المتحدة لم تخفض الفائدة بالوتيرة نفسها. وجد الكنديون أنفسهم بين خيارين صعبين: إما خفض الفائدة والتضحية بقيمة العملة، أو الإبقاء على معدلات فائدة مرتفعة ومواجهة ركود حاد وارتفاع البطالة.
من جهة أخرى، تصاعدت المخاوف من تدخل رأس المال العالمي في السياسات المحلية، حيث ظهر تأثير رجال الأعمال مثل ماسك على المشهد السياسي، ليس فقط في كندا، بل حتى في دول أوروبية مثل ألمانيا، مما يثير تساؤلات حول تداعيات هذا التدخل على المجتمعات.
وبالعودة إلى إنجازات ترودو، فهي عديدة، منها خفض الرسوم في دور الحضانة، تعزيز برامج الرعاية الصحية، مكافحة الإدمان، دعم الطبقات ذات الدخل المحدود من خلال مبادرات حكومية متنوعة. أما بالنسبة للعثرات، فلعل أبرزها ما أُثير حول حادثة تضارب المصالح المتعلقة بالجمعية الخيرية (WE Charity)، بالإضافة إلى قضية الضغط على القضاة في قضية شركة النفط في ليبيا، التي أثارت جدلًا واسعًا حول ممارسات الحكومة.
مرة أخرى، شكرًا جزيلًا، سيادة رئيس الوزراء، على كل ما قدمتموه لكندا وللإنسانية.