شرق أوسط إسرائيلي!

30 ابريل 2025
+ الخط -

تعلن دولة الاحتلال الإسرائيلي الحرب على المنطقة، وبغطرسة القوّة تشنّ عدواناً واسعاً على لبنان وسورية واليمن وتهدّد المشرق العربي كلّه، وكأنها تريد أن تقول إنّها الشرطي الوحيد المكلّف من الغرب الاستعماري بإخضاع المنطقة. وعليه، تسمح أميركا، بل وتقود حرب الإبادة والتجويع ضدّ الفلسطينيين، وتدافع بكلّ وقاحة عن جرائم الحرب والإبادة، وآخرها جريمة استعمال التجويع سلاحاً لتحقيق أهداف سياسية.

ما يجري في غزّة من تجويع وإبادة سيتكرّر في كلّ العواصم العربية إذا بقي موقف العرب، أنظمةً وشعوباً، على حاله، فما يجري يقول لكلّ العرب: حياتكم لا قيمة لها، فقد تجاوزت إسرائيل كلّ الخطوط الحمراء في مستوى العنف والقتل، وبلغت بها الوقاحة وسكرة القوّة والصلف إلى حدّ إعلان الحرب على المنظّمات الأممية والحقوقية وتصنيف الأونروا على سبيل المثال كمؤسّسة إرهابية وقصف مقراتها. وهي تقول للعرب في كلّ المنطقة، إنه لا يوجد أيّ شيء يمنعنا من استباحة بلدانكم وقتلكم أو تجويعكم وتعطيشكم وتدمير بناكم التحتية. هي تتعامل وتعتبر أنّ لها الحقّ الكامل في إعادة تشكيل جغرافيا تلك الدول حسب ما يحلو لها، وتستبيح كلّ شيء من دون أن تخشى من شيء، والسبب في ذلك أنّها تشعر أنّ المنطقة في لحظة رخاوة غير مسبوقة، وأنّ العرب قرّروا ليس الاستسلام وإنّما بعضهم اختار التحالف معها ومساعدتها في تنفيذ مشروعها في المنطقة، والذي هو أبعد من تصفية القضية الفلسطينية.

إنّ ما كتبه رئيس حكومة الاحتلال في منتصف التسعينات في كتاب "مكان بين الأمم"، تجاوزه تماماً، فهو لا يبحث عن مكان لكيانه الغريب عن هُويّة المنطقة وحضارتها، وإنما يقول للعرب ليس لكم مكان بجوار إسرائيل إلا من يقرّر هو أن يبقيه. فنتنياهو وحكومة اليمين الفاشي باتت تصنّف من يحقّ لهم الحياة ومن يجب أن يموتوا، ومن سيُسمح له بالبقاء ومن سيجبرونه على الرحيل، وبلغت الغطرسة بإسرائيل بأن تملي على سورية ولبنان وحتى الخليج العربي ما يجب عليهم فعله إذا أرادوا تجنّب العقاب.

بلغت الغطرسة بإسرائيل بأن تملي على سورية ولبنان، وحتى الخليج العربي، ما يجب عليهم فعله إذا أرادوا تجنّب العقاب

ليست فلسطين فقط التي تعمل حكومة الاحتلال على تصفية قضيتها، إنما المشرق العربي كلّه اليوم مهدّد بأن يتحوّل إلى مشرق إسرائيلي، أو "شرق أوسط إسرائيلي" كما قال الزعيم اللبناني وليد جنبلاط في مقابلة أُجريت معه مؤخراً، والتي عبّر فيها عن خشيته من أننا نقترب من دخول "العصر الإسرائيلي" في ظلّ الغطرسة غير المسبوقة لإسرائيل التي تمارس تطهيرًا عرقيًا في غزّة، وعدواناً واسعاً على لبنان وسورية واليمن مع تأكيد على أنّ هذا الحال سيستمر وبرعاية أميركية، وأنّ العدوان المستمر هو حقّ مشروع لإسرائيل، ولا يحقّ للدول العربية المُعتدى عليها أن ترد، مع تحييد كلّ ساحة عن الأخرى، والنجاح في جعل الدول العربية لا تتدخل ولا تعلّق إذا ما استهدفت دولة عربية أخرى، حتى جامعة الدول العربية باتت من الكسل لدرجة لم تعد حتى تكلّف نفسها عناء إصدار البيانات المعلّبة الجاهزة التي كانت تصدرها سابقا عند العدوان على أيّ دولة عربية.

إنّ سياسة "فرق تسد"، تطبّق بالحرف الكامل من قبل الاحتلال، والمثل القديم "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" نشاهده أمام أعيننا، ولم تعد حكومة الاحتلال تهتم بأن تبقى مخطّطاتها سرّية، فقد أعلن وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، بكلّ وضوح أنهم لن ينهوا الحرب حتى تقسيم سورية، وتهجير الفلسطينيين، والقضاء على البرنامج النووي الإيراني، وأنّ ما فعلوه في غزّة سيفعلونه بأيّ دولة تفكّر في تهديدهم...، يتحدّث مجرم الحرب هذا وكأنّ هذه المنطقة من العالم لا يوجد فيها دول ولا كيانات عربية، ولا حتى سكان أصليون.

إنّ الأمّة أمام تحدي تاريخي، إمّا الفناء أو المواجهة، ومن يظن أنّ هناك حلولاً وسطاً مع الحركة الصهيونية، هو إما لم يقرأ كتاباً عن مشروعها، أو  متواطئ معها. 

لا يوجد حل وسط مع الحركة الصهيونية، باعتبارها حركة عنصرية ومشروعًا استعماريًا إحلاليًا، قائمًا على اقتلاع السكان الأصليين وطردهم أو إبادتهم، وهذا الذي يجري اليوم في غزّة والضفة لن يتوقف هناك، فالصهيونية مشروع استعماري استيطاني لا يتوقف عن التهام الأرض، واستعمال القوّة المفرطة في إعادة تشكيل كلّ المنطقة على مقاسه، وبمباركة الولايات المتحدة الأميركية.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أ. أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.