"شخبط شخابيط".. ماذا بعد البيانات العربية؟

11 فبراير 2025
+ الخط -

في غضبةٍ عربيةٍ عارمةٍ ضدّ تصريحات ترامب الاستفزازية تجاه غزّة، أصدرت كلّ دولةٍ بياناتها التي تزأر فيها بوجه الاحتلال وزعيمه في البيت الأبيض، وهلّل الكثيرون للبيانات المكتوبة بلهجةٍ دبلوماسيةٍ حادة، فيما يشبه تقلّبًا مزاجيًّا أصاب العلاقة على "واتساب" بين حبيبين في "الفريندزون"، ودقّق كثيرون من محبّي هذا النوع من التريندات في كلمات مثل "القدس الشريف" بدلًا من "القدس الشرقية"، جميل، طيب وماذا بعد تلك البيانات "العظيمة"، أو صفها بما شئت، سمّها تاريخية، أو انسبها لأفضل الكتابات البلاغية، أو ضعها في رفوف أدب الرسائل، وماذا بعد؟ ما الذي يتحقّق لغزّة حقيقةً على أرض الواقع؟

فإذا كانت تصريحات ترامب بجانب الاحتلال الإسرائيلي تُترجم عمليًّا إلى أسلحةٍ فتاكة، وقنابل تزن واحدتها ألفي رطل، وإلى دعمِ سياسي واقتصادي غير محدود، وإلى مواقف فعلية على الأرض، وتطوّرات في الميدان، فماذا أضافت المواقف العربية بدولها الاثنتين والعشرين إلى غزّة؟ أيّ مسؤول عربي وقف على أرضها أو حدودها منذ وقف إطلاق النار، وأيّ دولة أرسلت إليها ما تحتاج إليها من عدّة وعتاد مقابل الزخم الغربيّ في التسليح والدعم العسكري المفتوح والمعلن، ناهيك عما لا نعلمه ولا يعلنونه؟ وإن كان مجرّد التلميح إلى هذا يدعو إلى دهشةٍ عربية وخجل من تصوّرنا الشعبوي السيء، أنّ نظامًا عربيًّا سيسرّب إلى غزّة أيّ شيء، ولو من باب التلويح والمناكفة السياسية، فأين الدعم ولو الإنساني على الأرض، برغم أنف أميركا وصبيها المدلّل؟ أين المعبر المفتوح عنوةً باتجاه واحد إلى داخل القطاع وهو معبر ذو سيادة عربية خالصة؟

بيانات بيانات بيانات.. وكأن هناك عروضًا على أوراق الـ4A في الخارجيات العربية، والكلّ يكتب وينشر، وهذا جميل، ولكن أين كان بجدية منذ اليوم الأوّل قبل نحو 500 يوم، حين كان لبعض البيانات وقتها معنى؟ ثم حين تصدر اليوم، ما المعنى الذي تحمله وهي قد تأخرت كلّ ذلك الوقت، ثم ما الفعل الذي يصاحبها، وما التهديد الذي تحمله، إذا ما أرادت تغييرًا حقيقيًّا في مجرى الأحداث على أرض الواقع؟ ما الذي سيُرعب ترامب إلى هذا الحدّ، وما الذي سيردع نتيناهو، وما الذي يهدّد السيادة الأميركية الخالصة على وطن عربي محتل؟

غزّة عالقة بين وحلين، وحل الغربي المتغطرس الذي يظن نفسه حاكمًا للكون، ووحل العربيّ الذي يجبن عن أن يتخذ موقف عزٍّ

يجير ترامب نتنياهو كما لو أنّ به من أخلاق العرب في الجيرة والحمية لمن التجأ إليه، وتكتفي الأنظمة العربية بالثرثرة كما لو كان بهم من خسّة الغرب وخيانة المستأجرين، وتبقى غزّة عالقةً بين وحلين، وحل الغربي المتغطرس الذي يظن نفسه حاكمًا للكون، ووحل العربيّ الذي يجبن عن أن يتخذ موقف عزٍّ، فيدفع بعض الثمن في سبيل كرامته، وتبقى هي تقاتل وحدها، وتدافع عن نفسها حتى الرمق الأخير، راميةً بكلّ العون عرض الحائط، حيث لا يفيد الانتظار في حقوق الشعوب، ولا ينفع التردّد في تحديد المصير، ولا تنجي احترازات السلامة من الندامات المؤجّلة، فلا يكون أمام العزيز سوى أن يصرّ على عزّته، وليذهب العالم، بغربه وشرقه دونها إلى الجحيم!

فالأمنية كلّ الأمنية، أن تجد تلك السلطات ضالتها، وتحدّد وجهتها وبوصلتها، وتعرف جيدًا أن ذلك الاجتماع على موقف واحد يرعب عدوها فعلًا، في حال استعدته على أرض الواقع، ولو بتهديداتٍ تاريخية استخدمها السابقون ولم تفشل، وبعضًا من ذكر النفط والاقتصاد والمال، والسياسة والأعمال، فإن ذلك مما يلفت نظر المليارديرات حين يأتون على عروش الدول، وحينها تكون للخطابات معنى، وللبيانات فائدة، أما عدا ذلك فهي أوراق لمنع التسرّب، ولفافات قطنية تمتصّ الغضب الحقيقي، ومجرّد حبر على ورق، "وشخبط شخابيط لخبط لخابيط مسك الألوان ورسم ع الحيط".. فارسم عليه ما شئت، وما الذي سيرعبه إن لم تهدم الحائط وتخترق الجدار؟