سيرة العقل والجنون (32)

سيرة العقل والجنون (32)

21 يناير 2021
+ الخط -

دخلت حياة الشاب (العاقل المجنون) خالد، "أبو الدك"، في طريق مسدود خلال هذه الفترة، ويمكننا القول إنه انصرع، على الرغم من أن الصبية عفراء، ابنة مدير الناحية الجميلة، لم ترفض الزواج منه بطريقة فجة.

ملخص ما جرى أن خالد اصطحب والدته وجاء ليطلب يد عفراء، والسيدة أم خالد شرحت لأسرة مدير الناحية وضع خالد العائلي المؤلم بصراحة مطلقة، ثم طلبت عفراء على سنة الله ورسوله، فقال أبو عمر: منتشرف فيكم يا أم خالد، لكن نحن لازم نسمع رأي بنتنا عفراء، هيي صاحبة العلاقة.

عندما دخلت عفراء، ورأت الفتى خالد، تذكرت أنها كانت واقفة على النافذة البارحة ومرّ أمامها، وعندما ابتسمت له صعد الدرج، وحكى معها بضع كلمات وغادر مسرعاً.

قال أبو عمر لابنته عفراء: الست أم خالد من قرية البلاطة جاية تطلبك لإبنها خالد، عم تقول شافوكي يوم زرنا بكار في داره.. وهَيْ هوّي خالد، هاتي لأشوف، سمعينا رأيك.

عفراء استأذنت من والدها قائلة إنها تريد أن تجلس مع خالد، في الغرفة الأخرى، لأنها تريد أن تقول له كلاماً على انفراد. وطبعاً الأب وافق.

في الغرفة الأخرى أحضرت عفراء فنجاني قهوة، وجلست بجوار خالد، وقالت له: أنا مستغربة إنك تجي بهالسرعة وتطرح فكرة الزواج. الزواج يا خالد مو كل شي في الحياة، يمكن نكون أنا وأنت أصدقاء..

وقف بكار وقال لطق مصد: ديروا بالكم عليه، إذا ارتفعت حرارته نادوا لي لحتى آخده ع المستشفى بإدلب

خالد: أصدقاء؟ أنا وإنتي نكون أصدقاء؟

عفراء: ليش استغربت؟ قصدك أنا مو منيحة، ومو خرج أكون صديقتك؟

خالد: لأ لأ.. ما هاد قصدي. بس يعني.. ليش نكون أصدقاء ونحن مو متزوجين؟

عفراء: أنا مو خرج زواج هلق. بعدني عم إدرس بكالوريا، ولسه قدامي جامعة، ويمكن بعد الجامعة أعمل دكتوراه، يعني الشغلة بتاخد عشر سنين، وإذا كنت عم إدرس الدكتوراه في بلد تاني ممكن أحب واحد من زملاء الدراسة وبعدين إتزوجه وأعيش هناك على طول.

خالد: هاه. أي فهمت. يعني أنا ما بصير معك.

عفراء: أنا ما قلت هيك يا خالد. عم قول أنا هلق مو جاهزة للزواج، وإنت كمان مو جاهز. أنا سمعت أمك عم تقول أن والدك ظالم وبيضربكم بالعقال، وما بيعطيكم خرجية.. وإنته ما بتشتغل شي.

خالد: أبوي ما عاد يضربني، وأنا بدي أستلم محل بيع بالجملة عن قريب هون في معرتمصرين، وبكار بدّه يفتح لي بيت، وأنا بحسن إصرف على بيتي وعلى مرتي..

عفراء: بكار جاهز للزواج أكتر منك، عنده أراضي وعقارات ومعه مصاري كتير.. ومع هيك ما أجا خطبني. ع كل حال أنا مستعدة نكون أنا وأنت أصدقاء، بتحسن تجي تزورني هون في البيت، وإذا صار عندك محل أنا بجي بزورك.

خالد: آ؟ بدك تجي تزوريني بسوق الهال؟ لأ. أوعي. لأ. ع كل حال ما بعرف. أنا بدي إمشي.

وترك فنجان القهوة الذي لم يشرب منه شيئاً، وخرج.. دخل ع الصالون وقال لأمه: أنا رايح يمو. وغادر دون أن يقول كلمة وداع.. وبعد قليل استأذنت أم خالد وخرجت.

عندما وصل أبو الدك إلى القرية كان قد نسي معظم العبارات التي تحدثت بها عفراء، فقد كان كيانه منشغلاً بجمالها الأخاذ وصباها الفتان وثيابها الغريبة، كان يخاطب نفسه قائلاً إنه خلال عمره البالغ عشرين سنة رأى كل نساء القرية، البنات والمتزوجات، ولكنه لم ير امرأة واحدة ترتدي ثياباً مثل ثياب عفراء. وصار يحرك يديه دون إرادة منه حتى ظن معظم الذين رأوه أنه قد جن من جديد. وعندما دخل الدار، دار بكار، تذكر ما حكته عفراء عن بكار. لكن، ماذا حكت؟

توقف أبو الجود عن سرد الحكاية وقال: بحسب ما حكى لي بكار أن المجنون العاقل طق مصد نادى له وقال له: تعا شوف يا معلم بكار. هادا أبو الدك حرارته مرتفعة، وعم يحكي كلام..

بكار راح هوي وطق مصد ع الجناح اللي بيناموا فيه المجانين، لقى أبو الدك متسطح على ضهره، وداير وجهه ع السقف، وعم يعمل حركات غريبة، وبالأخير بيقول (بدها بكار.. بتحب بكار يا عمي بتحبه)..

قعد بكار جنبه، وحط إيده على جبيته لقاه ساخن. فتح قنينة مياه وصار يبلل إيده ويحطها على جبينه. وبعدما انخفضت الحرارة سأله: مين هاي اللي بدها بكار؟

أبو الدك: هيي ما غيرها، عفراء، أنا عم بحكي معها وهيي تقلي بدي بكار.. يا خيو بتحبك.

بكار: أشو هالحكي؟ ليش أنت وين شفت عفراء؟

أبو الدك: رحت لعندهم وخطبتها، وأنا لو أعرف إنها متعلقة فيك ما كنت بخطبها. أنا بعتذر منك، روح خاي أبو كرم روح من الصبح اخطبها، بتاخدك، على مسؤوليتي بتاخدك.

وقف بكار وقال لطق مصد: ديروا بالكم عليه، إذا ارتفعت حرارته نادوا لي لحتى آخده ع المستشفى بإدلب.

طق مصد: أنا شايف ما بده دكتور، بده منك ترد عليه بس.. كان عم يقول لك إنه البنت بتريدك روح اخطبها.

ضحك بكار، وجلس مرة أخرى، وقال للشباب بكل هدوء: أخونا خالد عم يخلط عباس بدباس. رايح عم يخطب بنت مدير الناحية هيك من الباب للطاقة. الشغلة واضحة، ما بتاخده. وجاية عم يقلي إني أروح أنا أخطبها، وهيي بتريدني وما بعرف أيش. لك يا شباب هادا كله تخبيص.

أنا أمي اللي خلفتني وربتني ما بتقلي اخطوب فلانة ولا تخطب علانة. لأنها بتعرف طبعي، لما بدي شغلة بعملها لحالي. وعلى كل حال، إذا أنا بدي أخطب وأتزوج ما راح أخطب بنت مدير الناحية.. مع أنه أبوها رجل محترم، وأمها رائعة، وهيي بنت ممتازة.. خيو أحسن شي نسعى بعشا. أشو رأيكم نخلي خالتكم أم بكار تعمل لنا طنجرة مخلوطة؟ ولا برغل بعدس أحسن؟

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...