سورية و"ردع العدوان"... هل من مخرج؟
في مشهدٍ تداولته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، وضمن إطار عملية "ردع العدوان" التي تشنها فصائل المعارضة المسلحة ضدّ قوات النظام السوري، يظهر أحد عناصر الجيش السوري في حلب وهو يجلس على الأرض مرتجفًا، في نوبةِ ذعر. يقول بصوتٍ خائف إنه يبلغ 44 عامًا، وإنّه في أوّل يوم له كجندي احتياط، وقد أُرسل من الجولان السوري دون أن يعلم لماذا هو موجود هنا. حالته تلخص واقعًا يعيشه كثيرٌ من السوريين الذين فقدوا بوصلتهم، فلا يعرفون من يقف مع من، ومن يخون من، ولا ما هي نهاية هذا الطريق غير واضح المعالم.
أصبح الوضع في سورية اليوم برأيي خليطاً من الفوضى والضبابية، سواء بشكلٍ مقصود أو غير مقصود، إذ تتغيّر موازين القوى بين النظام والمعارضة بشكلٍ مستمر، لكن الحقيقة الثابتة أنّ الأرض السورية أصبحت مسرحاً لمليشيات متعدّدة الولاءات والأجندات، سواء كانت تركية، إيرانية، أو أميركية.
فتركيا تبدو واضحةً في أهدافها، إذ تحاول إبعاد الشبح الكردي عن حدودها الجنوبية ووأد أيّ محاولةٍ لبزوغ كيانٍ كردي واضح المعالم على الأراضي السورية خشية امتداد هذا الكيان إلى الأرض التركية. فهي ليس لديها أطماع في سورية، بل على العكس تماما إذ أصبح الوجود السوري في تركيا عبئاً عليها وورقة انتخابية استخدمتها المعارضة التركية لتستعيدَ زخمها وتحشد المزيد من المؤيدين لها. وكان هذا أحد أهداف الجولة الحالية من الصراع، حيث صرّحت المعارضة بأنها ستحاول تمهيد الأجواء وكسب المزيد من الأرض بهدف إعادة المزيد من السوريين إلى بلادهم.
بالنسبة لإيران، دمشق وحزب الله يشكلان خطوط دفاع أمامية ضمن استراتيجيتها الإقليمية
وأما في ما يخصّ إيران، فهي تشارك تركيا في هذه المخاوف (مخاوف نشوء كيان كردي مستقل أو تحوّل سورية إلى دولة فيدرالية كما يطالب بعض الكرد)، لكنها تركز على الحفاظ على خطوط التواصل البرية مع حزب الله، ودعم النظام السوري الحالي لأسباب طائفية. بالنسبة لإيران، دمشق وحزب الله يشكلان خطوط دفاع أمامية ضمن استراتيجيتها الإقليمية.
وفي ما يخصّ الولايات المتحدة الأميركية، فهي قالتها علناً وصراحة، إنّ الخرائط الحالية لم تعد صالحة ولا بدّ من خرائط جديدة للمنطقة، ربما خرائط مستندة إلى أسس دينية أو قومية، وكلّ ذلك بما يخدم مصالح الكيان الإسرائيلي وفرض وجوده بحكم القوة وجعله جزءاً طبيعيًا من منطقتنا، مع الحرص على إضعاف الجميع بحيث يكون الكيان هو المُهيمن.
أما الجانب الروسي، فلا يهمه من يحكم دمشق بقدر ما يهمه الحفاظ على وجوده العسكري على الساحل السوري كموقع استراتيجي يخدم مصالحه.
جرى تهميش جميع الأصوات السورية المعتدلة والعقلانية، بل وتحييدها أو التخلص منها أحياناً
لا شك أنّ سورية ما قبل 2011 لن تعود كما كانت؛ فقد جرى تهميش جميع الأصوات المعتدلة والعقلانية، بل وتحييدها أو التخلّص منها أحياناً. هذه الأصوات، التي كانت تملك القدرة على المساهمة في نهوض سورية، سواء داخل صفوف النظام أو المعارضة، أُبدلت بأصوات تَغلُب عليها الشعبوية والطائفية، في وقتٍ غابت الحكمة عن المشهد.
بالعودة إلى الأحداث الحالية، يبدو واضحًا من التحرّك السريع للمعارضة أنّ الجيش السوري قد استُنزف بسبب طول مدّة الحرب ونقص الموارد، كما أنّ الحاضنة الشعبية نفسها فقدت الثقة بالطبقة الحاكمة.
الوضع الآن مختلفٌ كثيراً عما كان عليه عام 2011، حين ساعدت عدّة عوامل على صمود النظام السوري، منها الدعم الخارجي الروسي والإيراني، ومشاركة حزب الله في الحرب السورية بالطبع. ولكن مع انخراط روسيا في حربها مع أوكرانيا وأزماتها الاقتصادية، لم يعد لديها الكثير لتقدّمه للنظام. كما أنّ حزب الله وإيران تأثرا بشدّة في سورية بفعل الاستهداف المتكرّر من قبل إسرائيل.
يبقى الأمل أن تنتهي الأزمة السورية بمولود جديد يليق بتاريخ هذا البلد العريق
على الصعيد المحلي، فقد النظام الدعم من مختلف الفئات الشعبية بسبب الفساد المستشري والفقر المتفاقم، في الوقت الذي يعيش فيه أبناء الطبقة الحاكمة حياة رفاه بعيدًِا عن معاناة المواطن السوري. وكلّ هذه العوامل ساهمت في تصاعد النقمة على النظام الحاكم.
ولا شك أنّ الأحداث الجارية لا يمكن فصلها عن الزيارة التي قام بها كبير أمناء سرّ نتنياهو إلى موسكو في الشهر المنصرم، والتي قد تحمل أبعادًا سياسية وأمنية لها تأثير مباشر على تطورات المشهد السوري.
رغم كلّ هذه المحن، يبقى الأمل أن تنتهي الأزمة السورية بمولود جديد يليق بتاريخ هذا البلد العريق. نرجو أن يكون هذا المخاض العسير بداية لمرحلةٍ جديدة تضمن بقاء سورية، دون أن نفقد الأم والمولود معاً.