سورية بعد سقوط الأسد... فرص وتحديات
بعد أربعة عشر عامًا من النضال المستمر، نجح السوريون بقيادة أحمد الشرع في إطاحة نظام بشار الأسد وحزبه (البعث)، الذي حكم سورية لأكثر من ستة عقود. جاء هذا التحوّل بعد سنوات من التضحيات، والمعاناة، والمقاومة التي تجسّدت في ثورة امتدّت عبر المدن والقرى السورية، حيث لم يتوقف الشعب عن المطالبة بحريته رغم القمع العنيف الذي مارسه النظام.
مع بزوغ فجر الحرية، بدأت سورية مرحلة جديدة من تاريخها، يسودها الأمل والتطلّع إلى بناء وطن يعكس إرادة شعبه، بعيدًا عن الاستبداد والقمع. هذا النصر لم يكن مجرّد سقوط نظام، بل كان انتصارًا لقيم العدالة والكرامة، التي سعى إليها السوريون منذ اندلاع الثورة.
لكن التحديات لا تزال قائمة، فإعادة بناء البلاد تتطلّب جهودًا هائلة على جميع الأصعدة. سياسيًا، تحتاج سورية إلى تأسيس نظام حكم عادل يعكس مبادئ الثورة السورية العظيمة. اقتصاديًا، تشكل إعادة إعمار البنية التحتية وتحقيق الاستقرار المالي وجذب الاستثمارات عنصرًا أساسيًا لدفع عجلة التنمية. أما اجتماعيًا، فلا بُدّ من وضع آليات فعالة تضمن عودة ملايين السوريين المهجّرين وتعويضهم عن سنوات المعاناة والحرمان، إذ يمثل تحقيق العدالة لهم خطوة محورية في إعادة النسيج الاجتماعي وتعزيز وحدة البلاد. فلا يمكن بناء مستقبل مستقر ومزدهر من دون تحقيق العدالة للسوريين المهجّرين وضحايا سجون بشار.
في الأسابيع المقبلة، من المقرّر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في قمّة تحمل أبعادًا استراتيجية هامة. وتشير تقارير إلى احتمال مشاركة أحمد الشرع في هذه القمّة العالمية، ممّا يشكل فرصة ذهبية يجب ألا تضيع على السوريين.
لا يمكن بناء مستقبل مستقر ومزدهر من دون تحقيق العدالة للسوريين المهجّرين وضحايا سجون بشار
ويكتسب لقاء أحمد الشرع مع كلّ من بوتين وترامب أهمية كبرى، خاصة بعد الاتصال الذي أجراه الرئيس الروسي مع الشرع، مما يعكس تحوّلًا في الموقف الدولي تجاه الحكومة السورية الجديدة. إنّ اعتراف كلّ من روسيا والولايات المتحدة بالحكم الجديد في سورية سيمثل نقطة تحوّل رئيسية، تفتح الباب أمام دعم سياسي واقتصادي واسع، وتعزّز من مكانة الحكومة السورية على الصعيد العالمي. إن مثل هذا الاعتراف الدولي سيمهد الطريق أمام تعاون أوسع في مجالات إعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، واستعادة سورية دورها الفاعل في المجتمع الدولي.
وتقتضي هذه المناسبة تحرّكًا دبلوماسيًا سريعًا من وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لوضع خطة تضمن لقاء الرئيس الشرع مع قادة العالم المشاركين في القمّة. فمن شأن هذا اللقاء أن يعزّز مكانة سورية على الساحة الدولية، ويوفّر لها سنوات من الجهود الدبلوماسية المضنية في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وأوروبا والمنطقة.
إنّ اجتماع الشرع بهؤلاء القادة قد يكون نقطة تحوّل نوعية في مستقبل سورية، تمامًا كما كان إسقاط بشار الأسد نقطة محورية في التغيير السياسي، والذي تحقّق من دون إراقة قطرة دم واحدة. ويأتي هذا في ظلّ الدعم السعودي المتواصل لسورية، حيث تعمل الرياض على تسهيل العقبات أمامها وتعزيز التقارب في الرؤى بين البلدين.
هذه القمة، بتوقيتها ومكانها وأطرافها، قد لا تتكرّر إلا بعد عقود، مما يجعلها فرصة استثنائية يجب اغتنامها لوضع سورية في موقعها المُستحق على الخريطة السياسية العالمية.