سورية الجديدة والاستقرار الهش

24 يناير 2025
+ الخط -

ونحن في الشهر الثاني من عمر سورية الجديدة، بدأنا بالانتقال إلى مرحلة "الاستقرار الهش". ففي الوقت الذي يسعى فيه قائد الإدارة السورية أحمد الشرع إلى التركيز على بناء نواة الدولة، تتجلّى جهوده من خلال دمج الفصائل المسلّحة في هيكلية وزارة الدفاع وتوزيعها على بقية الأفرع الأمنية، وخصوصًا الاستخبارات.

ورغم أن هذه المهمة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنّ هناك تقدّمًا ملموسًا. ومع ذلك، فإنّ وجود عدد كبير من الفصائل التي لم تحدّد موقفها بعد من هيكل وزارة الدفاع يُبقي البلاد في حالة من الاستقرار الهش. ومن أبرز هذه الفصائل، تلك الموجودة في الجنوب وشمال شرق سورية، بالإضافة إلى "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، الذي يركّز بشكل أساسي على تنفيذ أجندة أنقرة عبر محاربة الكُرد في ديارهم.

هذا الاستقرار الهش ترافق مع تصاعد عمليات الاختطاف والقتل خارج إطار القانون، بالإضافة إلى التصفيات الشخصية التي زادت من تعقيد المشهد. سورية كانت خلال السنوات الأربع الماضية تعيش تحت عدّة نماذج للحكم. ففي الشمال، كان هناك نموذج إدلب، ونموذج الائتلاف، ونموذج الإدارة الكردية، بالإضافة إلى نموذج النظام. ففي حين كان الطابع الإسلامي يغلب على الشمال الغربي، كانت الإدارة في الشمال الشرقي أكثر اعتدالاً، بينما ظلّ النظام دون تغيير، محافظًا على طبيعته القمعية والفاسدة.

لا شك أنّ سورية بحاجة إلى وقت طويل للرسو على نموذج جامع يعكس تطلّعات كافة السوريين ويجمع بين هذه النماذج المختلفة. هذه المهمة ليست سهلة بأيّ حال من الأحوال، خاصة أنّ حكّام سورية الجديدة ورثوا بلدًا متهالكًا. الفوضى تعم المدن، سواء كانت فوضى انتشار السلاح، أو التعيينات العشوائية، أو ملاحقة "الفلول"، أو حتى التصفيات الشخصية.

وجود عدد كبير من الفصائل التي لم تحدّد موقفها بعد من هيكل وزارة الدفاع يُبقي البلاد في حالة من الاستقرار الهش

ومن الظواهر الملحوظة مؤخرًا، بروز رجال الدين من مختلف الأديان والطوائف إلى الواجهة السياسية، حيث انخرطوا في الحوارات السياسية، وظهروا أيضًا في مقابلات مع وسائل إعلام أجنبية. هذا التحوّل، وإن كان مبرّرًا نتيجة الحاجة إلى الطمأنينة في ظلّ حالة عدم الاستقرار، إلا أنه يثير تساؤلات حول حدود تدخل رجال الدين في السياسة، خاصة أنهم مختصون في الشؤون الدينية فقط.

في المستقبل القريب، يبدو أنّ الصراع بين "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا و"قسد" المدعومة من الولايات المتحدة سيستمر إلى حين الوصول إلى اتفاق أميركي تركي يرضي الطرفين، أو انخراط تركيا في صفقة مشابهة لما حدث في عام 2019. أما الفصائل في الجنوب السوري، فمن المتوقّع أن تندمج بسهولة بمجرّد حدوث تقارب بين "قسد" و"الجيش الوطني السوري" من جهةٍ، ووزارة الدفاع الحالية من جهةٍ ثانية.

نتمنى أن يتحوّل هذا الاستقرار الهش إلى استقرار قوي ومستدام قادر على جمع كافة السوريين تحت مظلّة دولة واحدة، يسود فيها القانون، وتضمن الحقوق لجميع أبنائها بغضّ النظر عن انتماءاتهم، ليعود الأمن والسلام إلى سورية بعد سنوات من الصراع والاضطراب.

باحث وصيدلاني مقيم في أوتاوا في كندا.
خليل ساكير
باحث وصيدلاني مقيم في أوتاوا في كندا.