سمير غانم وأم كلثوم... حكايات

سمير غانم وأم كلثوم... حكايات

07 يونيو 2021
+ الخط -

الوقوف على المسرح في مواجهة الجمهور يحتاج إلى شجاعة استثنائية، وقد عُرف عن الكوميديان سمير غانم امتلاكُه ما يشبه الترمومتر يعرف من خلاله مدى انسجام جمهوره مع ما يقدمه، وهذا يجعله يرفع أو يخفض من جرعة أدائه..

يروي سمير غانم في مقابلة تلفزيونية حكايته مع متفرج خليجي كان يشاهد مسرحية "المتزوجون" التي يؤدي فيها دور إنسان فقير، فأشفق عليه الخليجي، وتخلى عن ساعة يده وقذفها إلى المسرح، وبالغلط ذهبت الساعة باتجاه الممثلة شيرين، فخشي الرجل أن يُعْتَبَر تصرفُه تحرشاً بشيرين، أو تقرباً منه، فتقدم من المسرح ودفع الساعة باتجاه سمير غانم الذي فهم أن الرجل يريد مساعدته، فحملها وحاول إعادها إليه، ولكنه لم يأخذها، فقرر سمير إعادتها له بعد انتهاء العرض، ولكن الرجل غادر قبل ذلك، وبقيت الساعة بحوزته كذكرى.

قبل أن يصبح سمير غانم ممثلاً كوميدياً كان قد تطوع في سلك الشرطة، وقد أفرزوه لكتيبة اسمها "السلاح الصامت"، وفي يوم من الأيام كان لديهم استقبال لإحدى الشخصيات، وراح حوالي 200 من العناصر يمشون مشية عسكرية، وخلال ذلك لاحظ الضابط المشرف أن سمير يضحك، فأوقف الصف وطلب منه أن يمر به في مكتبه بعد الاحتفال، للاستجواب. فلما مثل أمامه، حكى له عن سبب الضحك، وهو أنه كان يمشي بجواره شاب يتمثل الخدمة العسكرية بخوف واحترام شديد وحماس، وكان مكلفاً بالعد لزملائه ليبقى الصف منتظماً. يقول: واحد تنين هوبّ.. واحد تنين هوب.. وكان يضغط بفمه على لفظ حرف الباء، فيخرج من فمه كما لو أنها بب، أو طز..  فضحك المشرف، ولم يعاقبه!

يروي المقربون من أم كلثوم أنها، في الأيام العادية، تكون في منتهى الرواق، ميالة دائماً للمزاح والتنكيت..

وكانت السيدة أم كلثوم، وعلى الرغم من قوتها وعظمتها، تخاف من الجمهور. ثمة حكاية شهيرة يرويها الموسيقار بليغ حمدي عن التحضيرات لأغنية ألف ليلة وليلة، وقد عَرَضَ عليها فكرة اختصار المقدمة الموسيقية، لأنها طويلة جداً، فرفضت فكرة الاختصار، وأوضحت له أن طول المقدمة يمكن أن يعطيها فرصة لالتقاط أنفاسها قبل مواجهة الجمهور، ففي كل مرة، قبل البدء بالغناء، تصطدم ساقاها المرتجفتان ببعضهما، ويداها تصبحان باردتين كالثلج، وقالت لبليغ: سيب المقدمة زي ما هيَّ، سيبها يا ابني، ما تختصرهاش.

ولكنها، على ما يبدو، تصبح شجاعة أكثر بعد انخراطها بالغناء، وتلقّيها تشجيع الجمهور الاستثنائي المعتاد.. ففي أحد كوبليهات أغنية "بعيد عنك حياتي عذاب"، من كلمات مأمون الشناوي وألحان بليغ حمدي نفسه، يقوم عازف الناي الشهير سيد سالم، أثناء تقديمه صولو الناي بالتفريد، وإعادة العزف بطريقة جميلة، وراح الحاضرون يتفاعلون معه، ويضحكون، ويهيصون، فاندهشت أم كلثوم وقالت: أيه ده؟

يقول محمد عبد الوهاب، في مقابلة طويلة معه، إنه وغيره من المهتمين بالموسيقا، كانوا يتابعون أم كلثوم من خلال الراديو، ولا يمتلكون أية فكرة عما يجري بينها وبين الجمهور، لأن الراديو ينقل الصوت دون الصورة، وذات مرة كانت تغني "ليلة حب" من كلمات أحمد شفيق كامل، دخل عبد الوهاب إلى كواليس المسرح لمراقبة عمل الفرقة الموسيقية، لأن الأغنية من ألحانه، وعندما وصلت أم كلثوم إلى المقطع الذي تقول فيه: ما تعذبناش، ما تشوقناش، لاحظ أنها تعيد المقطع، واكتشف، بعد قليل، أن أحد الموجودين في صالة الجمهور كان يتغالظ عليها، ويطالبها بإعادة المقطع السابق، فراحت تعيد (ما تعذبناش، ما تشوقناش) بعصبية، وكأنها تقول له: ما تزهَّقْناش، ما تقرفناش..

ومن عادات أم كلثوم الغريبة، بحسب محمد عبد الوهاب الذي أصبح صديقها بعدما لحن لها "أنت عمري 1964"، أنها تحب تناول بيض الدجاج، ولكنها تمتنع عن تناوله قبل أسبوعين من تقديم أية أغنية جديدة على المسرح، لأن البيض يسبب لها نوعاً من الحساسية، وهي تتصل بعبد الوهاب بعد انتهاء الحفلة، ويكون ذلك في وقت متأخر جداً من الليل، وتبشره بأنها، بعد عودتها إلى المنزل تناولت عدة بيضات!

كما يروي المقربون من أم كلثوم أنها، في الأيام العادية، تكون في منتهى الرواق، ميالة دائماً للمزاح والتنكيت.. ذات مرة عرضت على سيد مكاوي تلحين أغنية "أنساك"، فسألها عن الأجور، فمازحته قائلة: أجور إيه؟ أنت يكفيك فخر أنك تلحن لأم كلثوم!.

وسيد مكاوي، في الواقع، من أكثر الفنانين المصريين مرحاً، ومقدرة على التنكيت، فقال لها: إنه اشترى لوازم من البقالية، والبقال طلب منه فلوساً ثمن الأغراض، فقال له مفيش فلوس، أيه رأيك أعطيك شوية (فخر)؟ فلم يقبل.

كان الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين يعتمد كثيراً على تحريك فمه أثناء التمثيل، فتراه يحرك شفتيه بأشكال مختلفة.. وذات مرة التقت به أم كلثوم، وسألته: كم وزنك؟

قال 70 كيلو.

فسألته: مع بُقَّكْ، ولا بدون بُقَّكْ؟!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...