سد النهضة بين الأمر الواقع والمواجهة العسكرية

سد النهضة بين الأمر الواقع والمواجهة العسكرية

30 مايو 2021
+ الخط -

يفصلنا شهران عن إطلاق الملء الثاني لسد النهضة، وكلما اقترب الوقت يزداد احتمال التوتر بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا المتعنتة بقرارها من جهة أخرى..

فجولات المفاوضات أثبتت فشلها منذ سنوات حتى اليوم، وإثيوبيا تلعب على الوقت لتمرير مشاريعها المائية من دون الأخذ بعين الاعتبار الاتفاقات مع دول الجوار، مما قد يؤدي إلى ارتفاع منسوب التوتر بين دول حوض النيل. وخصوصا أن إثيوبيا لديها مشاريع سدود أخرى مما قد يؤدي إلى دق ناقوس الخطر للأمن القومي المائي لمصر.

تاريخ السد

تعود فكرة السد إلى منتصف القرن الماضي بين عامَي 1956 - 1964، حين قام مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي بإجراء مسح شامل للنيل الأزرق لتحديد أنسب الأماكن لإقامة سد ضخم على النيل الأزرق، حيث كان من المخطط آنذاك أن يُمَوَّل السد الكبير بواسطة الولايات المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية، ولكن هذه الخطط تعطّلت فجأة إثر انهيار الملكية الإثيوبية، لتسقط إثيوبيا بعد ذلك في حقبة طويلة من الحكم العسكري المدعوم من السوفييت.

ولكن إثيوبيا وجدت الفرصة سانحة أمامها للمُضي قُدما بالمشروع منذ عام 2011، حين استغلت أديس أبابا انشغال القاهرة بعملية الانتقال السياسي وقامت بوضع حجر الأساس للسد الأضخم في أفريقيا على النيل الأزرق. حسب مهندسو السد أن قدرته الاستعابية للمياه ستكون 74 مليار متر مكعب يتم ملؤها على مراحل مختلفة ويكون الإعمار لكل مرحلة خلال فترات الصحو.

من المتوقع أن تحاول مصر حتى آخر لحظة استعمال نقاط قوتها الناعمة من خلال الضغط الدبلوماسي، إضافة إلى نقاط القوة القانونية، ولكن كما يبدو أن إثيوبيا ما زالت مراهنة على لعبة الوقت

بدأ الملء الأول عام 2020 حيث احتفظ بحوالي خمسة مليار متر مكعب، وخلال الملء الثاني سيتم حفظ حوالي 13.5 مليار متر مكعب ويُقدَّر أن تعبئة كامل السد حسب الأوساط الإثيوبية ستأخذ بين خمس وسبع سنوات.

القانون الدولي للأنهار

تنص اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية عام 1997 والذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 2007، على عدم إقامة مشاريع مائية في مصادر المياه الدولية المشتركة بدون إخطار، وضرورة العمل بأقصى ما يمكن على مبدأ الإفصاح وتبادل المعلومات الخاصة والتشاور مع الدول الأخرى بهدف التوصل إلى اتفاق بخصوص تقسيم المياه على أسس عادلة مع تفادي إلحاق الضرر الجسيم بحقوق الدول الأخرى.

الملء الثاني ومؤثراته

إن تم الملء الثاني بالتالي أصبح أمرا واقعا، مما يعني انتفاء أي وسيلة ضغط فعلية وبالتالي تكون نجحت إثيوبيا بسياسة تمرير الوقت، طالما بدأت إثيوبيا بالملء الثاني وحسب الخبراء تحتاج كل 5 مليارات متر مكعب إلى حوالي ثلاثة أسابيع، فبالتالي لدى مصر والسودان حوالي ثمانية أسابيع لتوقيف هذا الملء أو إجراء تسوية معينة تحفظ مصالح الأفرقاء كافة. إضافة إلى ذلك بعد إجراء الملء الثاني لا يمكن إجراء أي عمل عسكري ضد السد لأنه بذلك حسب الخبراء، سيتضرر السودان بشكل كارثي من انهيار السد، فتصبح إثيوبيا لديها مربط الحل والنزاع بشأن السد الكبير.

هواجس مصر والسودان

لديهما ثلاثة مخاوف رئيسية: إصرار إثيوبيا الاستمرار بالسد حيث في مراحله الأولى مولته من معاشات موظفي القطاع العام وبعض المتبرعين والمستثمرين الإثيوبيين من كل أنحاء العالم، وهذا الإصرار ستكون نتائجه سلبية لمصر خصوصا أن تسعين بالمائة من حاجتها للمياه تعتمد على النيل، فمع انحدار نسب المياه ستضطر مصر لاستعمال مخزونها في السد العالي وعند انتهاء المخزون ستصيح مصر رهينة إثيوبيا.

أما المشكلة السودانية فتختلف عن مصر، فهي بحاجة لمعطيات وبيانات من قبل إثيوبيا خلال مراحل تعبئة السد لكي لا يصبح كما حصل في المرة الأولى من انخفاض نسب المياه وانقطاع الكهرباء، حيث صرح وزير الري السوداني بأن ملء السد من دون البيانات قد يهدد نصف سكان السودان.

النقطة الثانية وهي الأهم: إصرار إثيوبيا على مشاريع بناء سدود أخرى حيث بعض التوقعات تشير إلى أن مشاريعها ستحتفظ بمئة مليار متر مكعب من مياه النيل. والهاجس الثالث مطالبة إثيوبيا بحصة من نهر النيل الأزرق حيث إن تمكنت من الملء الثاني فستصبح إثيوبيا قادرة على المناورة والتفاوض بشكل أكبر.

السيناريوهات المقبلة

بما يخص السيناريوهات المطروحة هناك ثلاثة، إما أن تتراجع إثيوبيا وتقرر التأجيل تخوفا من ضربة عسكرية، إما الخيار الدبلوماسي من خلال ضغط من قبل القوى المؤثرة مثل أميركا والصين والاتحاد الأوروبي حيث ما زال حتى اليوم التدخل خجولا إلى حد ما، وإما أن تحدث ضربة عسكرية للسد وهو خيار صعب للجميع ولكن ممكن.

من المتوقع أن تحاول مصر حتى آخر لحظة استعمال نقاط قوتها الناعمة من خلال الضغط الدبلوماسي، إضافة إلى نقاط القوة القانونية، ولكن كما يبدو أن إثيوبيا ما زالت مراهنة على لعبة الوقت، وكلما يقترب الانتهاء من الملء كلما تحصل على تفاوض أفضل، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل ستنتقل مصر والسودان إلى التفاوض الخشن؟ هل سنشهد تحشيدا عسكريا مصريا وسودانيا لمزيد من الضغط على إثيوبيا والوصول الى حل من دون مواجهة؟ أم ستحصل مواجهة عسكرية ومن بعدها الاتفاق؟

دلالات