رسالة من لاجئة إلى الأسيرة أنهار الديك

رسالة من لاجئة إلى الأسيرة أنهار الديك

01 سبتمبر 2021
+ الخط -

قرأت غالبية رسائلك إلى أهلك وزوجك وطفلك المنتظر تحديداً. عشت معاناتك كأسيرة فلسطينية، تمضي أشهر حملها في الزنزانة وتخشى الولادة بين القضبان. فعلاً، عشت خوفك، ألمك، غضبك، حزنك، انكسارك، ويأسك إلى حد ما. وعندما أقول عشته، لا أقصد التضامن فقط، بل تقمص التجربة مع اختلاف الظروف.

عزيزتي أنهار..

عذراً لم أعرّفك بنفسي. اسمي صمود، وأعيش بعد حدود بلادنا الشمالية مباشرة، أعيش في لبنان. عندما اعتقلك الاحتلال، كان قد مضى على حملي شهران، مثلك تماماً. أنا وأنت صادف حملنا معاً.

آلمك السجان، وآلمني اللجوء.. هنا لا أقارن الاحتلال بدولة عربية مستقلة، بل أقارن الظروف.

نحن في لبنان، نعيش داخل سجن كبير، تحكمه مافيات السياسة والمال. وضعونا في عدة عنابر، ليتناسب مع التقسيم الطائفي. نأكل وجبة واحدة تقريباً، بسبب انهيار العملة والاحتكار، لا نخرج من بيوتنا، بسبب شح البنزين، ننام على الأرض، نُذل يومياً، ونعاقب على حرية الرأي والتعبير.

تخيلي امرأة حاملاً بالتزامن مع حملك، تخاف مثلك من يوم الولادة، لأنها ببساطة ربما لا تجد سيارة لنقلها للمستشفى، بسبب أزمة البنزين

كنتِ تتحدثين عن كم هو مؤلم النوم على سرير السجن خلال حملك. الألم ذاته شعرت به. الفرق أني كنت أنام طيلة تسعة أشهر على الأرض، بسبب انقطاع الكهرباء، مع ارتفاع درجات الحرارة.

عزيزتي أنهار..

تخيلي امرأة حاملاً بالتزامن مع حملك، تخاف مثلك من يوم الولادة، لأنها ببساطة ربما لا تجد سيارة لنقلها للمستشفى، بسبب أزمة البنزين، وحتى إن وصلت ربما تكون الكهرباء غير متوفرة لإجراء العملية، أو ربما لا يتم استقبالها بسبب ارتفاع الكلفة بعد انهيار الليرة.

تخيلي أن أمي مثل أمك، لم تستطع شراء جهاز الطفل، لأنها لا تملك المال، لم يدعوا لنا مالاً لشراء ثياب. تخيلي أن زوجي مثل زوجك، تقع عليه مسؤولية ينتظرها؛ علماً أن وضعك أصعب بسبب منع اللقاء بينكما.

عزيزتي أنهار..

ألمك أنك أسيرة، وألمنا نحن النساء في الوطن العربي أننا نعيش في بيئات ليست للحياة. الاحتلال سينتهي يوماً ما، عساه قريباً؛ والأمل أن يلتقي أصغر أسير في العالم -أي طفلك- بطفلي يوماً ما في فلسطين محررة. ولذلك، أتمنى أن يرافقك الأمل، والاستمرار في كتابة رسائلك على الرغم من أن المؤسسات والمنظمات الدولية والحكومات الغربية يبدو أنها لا تجيد قراءة رسائلك أو أنها تغلق عيونها إذا تعلق الأمر بإسرائيل.

أرجو ألا تتوقفي عن الكتابة، وأنا بدوري لن أتوقف عن قراءة رسائلك، سأنتظر معك 20 سبتمبر/أيلول، اليوم المصادف لولادتنا أنا وأنت، ربما جاءنا الفرج وتغيرت الأقدار.

صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.