رحلة السوريين إلى أوروبا بين المأساة والطموح (4 )
عليك أن تعبر شبكتين بارتفاع مترين، ثم تنطلق باتجاه غابات المجر الباردة، تصل درجة الحرارة أحياناً إلى 7 تحت الصفر، ثم عليك أن تمشي كثيراً لتصل إلى النقطة التي ستنطلق منها السيارات إلى الأراضي النمساوية، وتظل على طول طريق المشي داخل غابات المجر مهدداً بالإرجاع إلى صربيا..
ولكن هناك فرق بين الكوماندوز المجري واليوناني، فالسلطات اليونانية تمارس العنف والإهانة ضد طالبي اللجوء، فقد سمعت من أناس تعرضوا للضرب المبرح حتى أن بعض تلك الكدمات ما يزال لها أثر، على الرغم من مضي شهور على تلك الحوادث، وصادفت بعض السوريين الذين حكوا لي عن تجربتهم باليونان وأن السلطات قد كسرت يد أحدهم وأرجعته عارياً إلى تركيا، وكذلك هناك أناس قد سبب ضرب السلطات اليونانية لهم الغرق، ولم يتحرك لها ساكن وهي تشاهد تلك العمليات.
هنا تبدأ معاناة من نوع آخر... "معاناة حياة الكامبات"، التي لا يكون للشخص فيها أي خصوصية
عندما تصل أراضي النمسا تكون قد وصلت إلى أوروبا، لكن كثيرا من السوريين ليست وجهتهم النمسا، لذا يحاولون التهرب من السلطات النمساوية لكي لا يجبروا على البصم في النمسا، وهم يريدون الذهاب إلى ألمانيا أو هولندا وغيرهما. في الفترة الأخيرة بدأ بعض السوريين يتجه خصيصاً إلى النمسا لأنها قامت بتسهيل عملية لم الشمل ومنح الإقامة وهذه أمور مهمة لهم.
بوصول السوريين إلى النمسا تكون صفحة الشقاء والخطورة والبرد والجوع التي عاشوها خلال الرحلة من "أدرنة" التركية إلى المجر قد طُويت، وبدأت مرحلة جديدة مفعمة بالأمل بوصولهم إلى إحدى دول أوروبا الغربية، وقتها تبدأ أنظارهم تتجه إلى العمل ليوفروا سبل عيش لأهاليهم في سورية، وليؤمنوا مستقبل أبنائهم، من أجل الخلاص من الفقر وانعدام الأمن في كل سورية.
هنا تتفتح أحلام السوريين على عالم جديد يستحق التضحية التي دفعوها خلال الرحلة، حيث أنهم خاضوا غمار الموت والإهانة والتعب، هنا تجدهم يسعون للم الشمل وأن يجلبوا أطفالهم اليهم، وتراهم يتحدثون مع أطفالهم عبر الوتساب بكل لهفة وشوق، هنا تكثر الأحاديث عن فرص العمل والحصول على حياة أفضل، ولا تخلو تلك الأحاديث من حسرة على مغادرة وطن طالما تعلقوا به، ولكن يقطع هذا الحنين الواقع المرير الذي يبدو أنه لن يتغير قريباً، تسمعهم يتحدثون عن ذكريات ذلك الوطن والشوق إليه، لكنهم يقولون أن سورية لم تعد صالحة للعيش، وأن حظنا عظيم كوننا قد خرجنا منها.
هنا تبدأ معاناة من نوع آخر... "معاناة حياة الكامبات"، التي لا يكون للشخص فيها أي خصوصية، حيث يمكن أن يعيش في غرفة واحدة مع 4 أشخاص إلى 8 أشخاص، كذلك يعاني السوريون من طبيعة الأكل الأوروبي البعيد عن طريقة السوريين والعرب عموما في الطهي، وعليهم أن يتعايشوا مع هذه الأجواء، أيضا هنا تبدأ مرحلة أخرى من الصبر وهي انتظار الإقامة ومنح حق اللجوء، وهذه تختلف بحسب الحظ، هنا لا يوجد معيار واضح في القوانين الأوروبية في منح الإقامات، بل الأمر موكل للحظ فقط، فأوروبا يعرفها العرب والسوريون بأنها بلاد الحظوظ.
عندما يصل اللاجئ للدولة التي يريد، يقوم بتقديم طلب لجوء بأحد مراكز اللجوء وكل دولة لديها إما مركز عام مثل بلجيكا وهولندا، أو عدة مراكز مثل بقية دول الاتحاد، وبعد أن يتقدم اللاجئ بطلب اللجوء تأخذ إفادته سريعاً حيث يشرح كيفية مجيئه وأسباب قدومه، ثم يبصم ويفرز إلى كامب، وبعدها يفرز إلى كامب آخر، ثم يفرز إلى بيت أو فندق أو سفينة بانتظار المقابلة الأساسية التي على أساسها يمنح الإقامة، ومنح الإقامة خاضع لحظ الشخص نفسه، إذ لا يوجد معيار محدد، فهناك أشخاص يحصلون على الإقامة خلال شهرين، وهناك أشخاص يحصلون عليها بعد 8 أشهر من تقديم الطلب، وكل دول الاتحاد الأوروبي تمنح السوريين إقامات ثم يأتي بعدهم اليمنيون.