رحلة البحث عن طوق النجاة الذاتي!

رحلة البحث عن طوق النجاة الذاتي!

12 يوليو 2021
+ الخط -

الدعوات التي نطلقها نحن الذين نمشي في بهو الجامعة، ونلتفتُ يميناً ويساراً باحثين عن متكأ نُلقي عليه من ثقل الحياة الجامعية النمطية التي نحملها في حقائبنا، ونحن نسابق الزمن في الوصول إلى قاعة المحاضرة؛ ما هي إلا دعوات مشرّعة بأنه لا بد من الخروج من حدود التنظير إلى التفكير!

كل الأمثلة التي تؤيد بشكل مُصاغ فرضية أن العباقرة عادة لا يكملون تعليمهم الرسمي، كانت نتاج دراسات لم تعتمد بشكل أساسي لنظريات منسوخة بين ورقات كتّيب أو تجربة علمية، لكنها كانت أكبر من ذلك؛ فهناك العديد من الأدلة والشواهد والروايات الحياتية. تلك التي صاغتها الحياة بطريقة التفكير خارج الصندوق أو أنه للجميع الحق في إبداء الرأي، وطرح الأسئلة، وتحليل الواقع والمشاهدات اليومية.

اليوم علينا أن نعترف أمام أعداد الجامعات والكليات والمعاهد التي يتوافد إليها آلاف الطلبة، ويكون نتاجها أيضا الآلاف من الخريجين؛ بأنه من غير المنطق تفاعل أصحاب الفكر الإبداعي الذين يحملون بين أفقية تفكيرهم الكثير من المعقول، وغير المعقول أن يتم إلزامهم بالكراسات والكتب المجدولة وإجابات مهترئة تصل إلى حد النسخ واللصق في الامتحانات النظرية والشفوية، التي تجعل العقل يستقيل من الإبداع والتفكير والتحليل، ويصبح اليوم يرفض عملية البحث الذاتي.

أؤمن أنّ التّنظير في عملية التعليم الرسمي، والإجابات النمطية التي اهترأ صداها في أروقة الجامعة ما هي إلا سبيل لتوفير لقمة العيش، أما التعليم الذاتي يجعلك صاحب ثروة!

يخيّل لي أن الدراسة بين تخصص يعتمد على قواعد وأساسيات لوغاريتمية وحساب كميات الهندسة، وبين تخصص علوم إنسانية كالصحافة، تُحدث فارقاً في التفكير وموازنة بين استدراك مواقف الحياة وبين الإعداد لمواجهة هذه المواقف. أذكر أن جُلّ المسافات التي درستها في الصحافة؛ درستها من صبغة البحث والتفكير والتجارب. كنتُ على الدوام أُجيب في الامتحانات وفقاً لهذه الصِّبغة، لتصل الكتابة إلى الحد الذي لا يستوعبه حجم الورقة، لكن المفاجئ بالأمر أن الأستاذ الأكاديمي كان يرفضها، والجملة الشهيرة التي تطرح منه الكتاب هو المرجع. هنا كان عليّ أن أستدرك الموقف بأن هذا الكتاب تم وضعه من خلالك، ضمن الدراسات والأبحاث الخاصة بك. لم يكن ذلك الحوار هيّن على الإطلاق مع أغلب الأساتذة الجامعيين خلال السنوات الأربع. كان هناك إصرار بشكل عجيب على أن كل ما يتداوله الكتاب صحيح ولا يمكن لي التفكير خارج الكتاب!

أستحضرُ أنه على مدار هذه السنين وحتى السنوات المقبلة، لم يذهب من عقلي أن كل المصادر المفتوحة هي واجب عليّ الاطلاع عليها، وذلك واجب يوازي الحق في التعليم!

هذا الواجب جعلني على الدوام أواجه الكثير من الأساتذة بالمصادر الأخرى التي تثبت صحة إجابتي؛ لتكون الإجابة منهم بأنه عليكِ بالكتاب فقط! ما سبق يجعلني أستشهد بكلام إيفان إليشِ – فيلسوف وقس أسترالي يدعم التعليم المنزلي - بأنه "لا تؤمن بكلام معلّمك لأنك فقط تحترم هذا المعلم، لا تؤمن بأي فكرة إلا بعد الفحص والتحليل، واجعل هذا هو دليلك في الحياة".

ويدفعني ذلك إلى أن أستذكر آينشتاين، وهو من أكثر الأشخاص الذين ناصروا الجملة الشهيرة التي تقول إن التعليم التقليدي يعيق العبقرية ولا يدعمها. يُردفني ذلك ما قاله أيضا في كتابه "ملاحظات في السيرة الذاتية": "لقد كان على المرء أن يحشو عقله بكل هذه المواد، سواء أكان يحبها أم لا، وكان لهذا الإجبار أثر بلغ من سوئه أنني وجدتُ، عندما اجتزت الامتحان النهائي، أن النظر في أية مشكلات علمية؛ أمرٌ بغيض، لمدة عامٍ كامل".

لم يكتف آينشتاين بهذا القدر وحسب، بل انتهز الفرصة مستنكراً، طارحاً وجهة نظره التي تقول إن أساليب التدريس الحديثة لم تخنق حب الاستطلاع المقدس!؟ هذا يكاد يصل إلى حد المعجزة، وصولاً إلى "فمِنَ الخطأ القاتل الاعتقاد أن متعة الرؤية والبحث يُمكن أن تتعزز من خلال وسائل القهر والشعور بالواجب".

ما زلتُ أؤمن أنّ التّنظير في عملية التعليم الرسمي، والإجابات النمطية التي اهترأ صداها في أروقة الجامعة، ما هي إلا سبيل لتوفير لقمة العيش، أما التعليم الذاتي فيجعلك صاحب ثروة!

إنجي خليل عبد العال .. فلسطين
إنجي خليل عبد العال
ابنة السيّدة نعمة، على عتبة التخرج من الصحافة والعمارة، أحب ممارسة الأشياء التي تحتاج إلى البحث والمحاولة والدهشة، مهتمة بالتاريخ الثقافي، وتوثيق الأماكن والوجوه. أؤمن أنّ لا راحة في زقاق الكلماتِ حينما لا تستقِ من أبجدية "عمارة الأرض"!