من الجذور إلى السماء: رحلة الأمازيغ في الحفاظ على الهوية
لطالما اعتدنا على قراءة تاريخنا على يدّ أناس جاءوا من الغرب لدراسة ثقافتنا وتراثنا وهُويّتنا من منظورهم الخاص، دون أن يلامس ذلك أعماقهم أو يترك أثرًا في نفوسهم. اليوم، أضع نفسي في موقع مختلف، لأتحدّث عن عائلتي من الداخل؛ الأمازيغ، تلك القبيلة التي استقرّت في شمال أفريقيا على مرّ العصور، وأصبحت جزءاً من هذه الأرض التي احتضنتهم بكلّ ما فيها من ثروات. لم يكن الوطن مجرّد قطعة من الأرض، بل كان أكثر من ذلك بكثير. كان الهُويّة، والحياة، والوجود نفسه. إذا أردت أن تحتفل بثقافة الأمازيغ، يجب أن تحتفل بما تعنيه هذه الثقافة لك كفرد، كجزء من هذا الشعب الذي عاش على هذه الأرض وارتبط بها ارتباطًا لا يمكن فصله.
الأمازيغية ليست مجرّد مجموعة من الطقوس أو الكلمات المنطوقة بلغةٍ عتيقة، بل هي أسلوب حياة. هي كلمات تحمل في طياتها حكمة الأجيال، فكلّ مثل ينطق به الأمازيغي يشعر من يستمع إليه وكأنّ الأرض نفسها تتكلّم. حديث الأمازيغ ليس مجرّد كلام، بل هو تأمل في كلّ ما تحمله الحياة من معنى.
وفي المطبخ الأمازيغي، لا يتعلّق الأمر فقط بالطعام الذي يملأ البطون، بل هو احتفال حقيقي بخصوبة الأرض. كلُّ لقمةٍ تتناولها تحمل قصّة عظيمة، تذكرنا بفضل الله على نعمائه التي لا تُحصى. أما الأناشيد، تلك التي تمرّ من جيلٍ إلى جيل، فهي ليست مجرّد أنغام تُردّد، بل هي تعبير عن نضال أجدادنا الذين حاربوا من أجل أرضهم وحقوقهم. كلُّ لحنٍ يحمل بين طياته أوجاع الماضي وآمال المستقبل، وكلُّ كلمةٍ تُنطق هنا هي دعوة للعيش في معركة مستمرّة من أجل البقاء والحفاظ على الهُويّة.
الحياة لا تُقاس بالزمن، بل بالقصص التي نرويها وبالذكريات التي نعيشها
يسافر الأمازيغي لساعات طويلة كي يلتقي بعائلته ويعيد الاتصال بأرضه، بدلًا من التفكير في السفر إلى الغرب. هذه العودة لا تحمل مجرّد زيارة، بل هي رحلة عميقة إلى الجذور، إلى الكينونة التي تنبض في كلّ زاويةٍ من الأرض التي ترعرع فيها.
في كلِّ كلمةٍ، وكلّ نغمةٍ، وكلّ طعامٍ، وكلّ فكرةٍ، تجد أجدادنا الذين ناضلوا من أجل الحفاظ على هذا الإرث العظيم. علمونا أنّ الحياة لا تُقاس بالزمن، بل بالقصص التي نرويها وبالذكريات التي نعيشها. في كلّ لحظةٍ، نحتفظ بما تركوه لنا، ونتعلّم كيف نواصل حمل هذا الإرث بكلّ فخر. الشعر، والكتب، والفن، كلّها تجسّد تاريخًا طويًلا يعيدنا إلى جذورنا، ويذيبنا في بحر من الخواطر التي تجعلنا نشعر بأننا جزء من شيء أكبر من مجرّد أنفسنا.
الأمازيغ من أندر الشعوب التي ما زالت متمسّكة بهويتها، مهما كانت الأفكار الغربية قد فرضت نفسها. لا يُسمح للطفل الأمازيغي بدخول المنزل بعقليّة غريبة، لأنّ هويتنا هي دليلنا في الحياة، هي الطريق الذي نلتزم به لنعيش وفقًا لإرادة الله، ولنسير في درب الحياة التي تميّزنا. إنّها الشعور بالذات والتمسّك بجذورنا مهما تغيّر الزمان والمكان.
وكما تقول جدتي دائما: "إذا تاهت طريقك في الحياة، فعد إلى هويتك، فهي حتما سترشدك".