دردشة طويلة مع الأستاذ بشير الديك (3/10)

دردشة طويلة مع الأستاذ بشير الديك (3/10)

21 أكتوبر 2020
+ الخط -

ـ طبعا أنا عارف يا أستاذ بشير إن في الوقت ده كانت مسيطرة عليكم كمجموعة، انت والأساتذة عاطف الطيب ومحمد خان وأحمد متولي فكرة (الصحبة) والجيل اللي بيقدم سينما مختلفة وقريبة من الناس في نفس الوقت، وده اللي خلاكم عملتم الشركة بنفس الاسم اللي أنتجت فيلم (الحريف) وهنيجي لده لاحقاً، لكن اللي أنا قريته إنك بعد ما كتبت سيناريو (سواق الأتوبيس) عرضته على محمد خان عشان يخرجه فما عجبوش وقالك لا أنا مش حابب السيناريو، ده صحيح؟

ما لقاش نفسه فيه، يمكن لإن السيناريو كان فيه غوص شديد العمق في تلافيف المجتمع المصري، ومحمد خان كان لسه راجع من بره بعد حياة طويلة فما كانش السيناريو مناسب ليه، زي ما كان مناسب لعاطف الطيب.

ـ والحقيقة ده اللي نقل عاطف لحتة تانية خالص، وكان ميلاد حقيقي ليه، يمكن في ناس بتنسى إن عاطف قبلها عمل فيلم (الغيرة القاتلة) اللي هو مختلف تماماً عن أغلب شغله اللي عمل اسمه عند الناس.

بالضبط كده، هاحكي لك موقف طريف، بعد فيلم (الغيرة القاتلة) سمير فريد كتب مقالة تقريبا بيشتم فيها عاطف وبيطلب إعادته مرة أخرى لمعهد السينما لدراسة السينما، لإنه لا يمكن ولا يجوز إن مخرج ينهي مأساة شكسبيرية بكلب، إشارة لمشهد النهاية، وأنا اتضايقت من اللي كتبه سمير وقلت له سمير استنى شوية قبل ما تحكم بالقسوة دي، قالي استنى إيه بس؟ قلت له استنى احنا بنشتغل على موضوع تاني وهتشوف بنفسك إنك قدام مخرج كبير ومهم، وبعد كده سمير اعتذر في مقال تاني على قسوته في الحكم على عاطف.

ـ لكن انت ككاتب شفت إزاي إمكانيات عاطف دي لحد إنك تبقى بتراهن عليها، هل من مشاهدتك لفيلم (الغيرة القاتلة) ولا من صداقتك بعاطف الطيب؟

احنا التقينا أنا وعاطف الطيب خلال تصويرنا لفيلم (موعد على العشاء) مع محمد خان، كنا بنصور في اسكندرية وأنا زي ما قلت لك باحضر التصوير يوميا، وكنا قاعدين في أوتيل على البحر اللي هو ويندسور، وجنبه أوتيل صغير اسمه كابيتول، وكنا بقى معانا سعاد حسني وحسين فهمي وأحمد زكي، نجوم بقى فقاعدين في الأوتيل الكبير ويندسور، وكان عاطف بيصور فيلم الغيرة القاتلة وقتها ونازل هو واللي معاه في الفندق الأصغر، على قد ميزانيتهم بقى (يضحك) ومين بيصور معاهم، صديقنا وحبيبنا سعيد شيمي، وكان صديق عمر محمد خان، واحنا بنتكلم عن اللي بيصوروه، قالي الواد عاطف ده هايل، وأنا كلمته عنك ونفسي إنكم تتقابلوا، قلت له خلاص ما فيش مشكلة يالله نتقابل، واتفقنا لما نرجع مصر نلتقي، وأول ما رجعنا مصر التقينا وقالي إنه نفسه يعمل رواية لجمال الغيطاني اسمها (العري)، وأنا انبسطت إني لقيته بيقرا للغيطاني، وبدأت أعرف إنه مثقف ومهموم وصاحب فكر، ومن هنا جت نقطة اللقاء بيني وبينه، من الأدب ومحبة الروايات.

ـ أظن انت عملت السيناريو ده بعد كده وطلع في فيلم اسمه (كلام الليل) لإيناس الدغيدي، ده كان أصلا لعاطف الطيب؟

(يتنهد) كان معمول لعاطف آه، ما هو كان في حاجات كتيرة معمولة عشان عاطف، وكانت رواية الغيطاني دي أول فيلم فكرنا فيه سوا، anyway واحنا لسه بنتكلم وبنلتقي فوجئت إن محمد خان مدي لعاطف الورق بتاع سواق الأتوبيس أو المعالجة، ما كانش لسه اتكتب سيناريو كامل، وفاكر إني اتخانقت مع خان، قلت له ليه كده ليه بتعمل ده من ورايا، طيب ما تقولي، قالي أصل البتاع اللي انت كاتبه ده شعبي أوي وعاطف هيعرف يعمله كويس.

ـ الله، يعني دي كانت فكرة محمد خان نفسه، شيء عظيم والله.

آه والله، هو اللي اداله المعالجة، وعاطف ما صدق يعني، وفي أقل من يوم نتيجة الحماس اللي كان فيه عاطف كنت كتبت السيناريو كاملا.

خلال تحضير الفيلم وتصويره ما كانش في أي مشكلة وعادل إمام كان منضبط جدا وملتزم، يمكن زي ما بتقول المشكلة حصلت بسبب عدم نجاح الفيلم جماهيريا زي ما اتعود، لكن برغم ذلك فضلت علاقتي بيه ممتازة

ـ وعنها، ما سبتوش بعض.

خلاص بقينا أنتيم على المستوى الحياتي والفني.

ـ وبقت علاقتكم أقوى من علاقتك بمحمد خان اللي بدأت قبل علاقتك بعاطف.

أنا في اختلاف بيني وبين خان، في درجة من الاختلاف بيني وبين خان، لكن في درجة من التطابق والتكامل بيني وبين عاطف، وأعتقد إن عاطف ميزته الحقيقية إنه يستطيع أن يعثر في شغله على الروح المصرية ببساطة، يعرف يقفشها كده بمنتهى السهولة.

ـ تسمح لي هنا ألاحظ كمشاهد محب لأفلامك مع خان، إنه يمكن باستثناء فيلم (الحريف) في مسافة ما، يعني في (موعد على العشاء) و (نص أرنب) و(طائر على الطريق) في جماليات فنية رائعة، وفي حرفة عالية طبعا، لكن ما فيش نفس درجة التورط العاطفي اللي موجودة في (الحريف) وفي شغلك مع عاطف الطيب؟

إلى حد كبير صح، لكن ما عدا (طائر على الطريق)، مختلف معاك، أنا اشتغلت فيه وأنا حاسس إنه قصيدة، وكان في ذهني إنه هيبقى قصيدة شعرية، وهتلاقي في الفيلم كده حاجات مرمية في السكة لكنها شاعرية جدا، منهم حاجة أفتكر لفتت نظر صديقنا الناقد الكبير سامي السلاموني، راح سأل محمد خان قاله الراجل السواق اللي قاعد على جنب في الطريق ده وعربيته باظت وسواق البيجو بيعدي عليه في الطريق يديله أكل ويسلم عليه، ده فكرة مين؟ قاله ده بشير طبعا، وجه حيّاني عليها وقالي إنه تأثر بيها جدا.

ـ ده كان العالم بتاعك بوصفك بتيجي من دمياط للقاهرة في بيجوهات على طول؟

بالضبط، والشخصية دي بالتحديد شفتها فعلا، بس ما كانش عنده نفس الشغلانة، كان قاعد على الطريق معتزل العالم كله، لكن أنا خليته بقى سواق سابق وعمل حادثة والسواقين يعدوا عليه يجيبوا له أكل وهما ماشيين، وقاعد يصلح العربية بتاعته على أمل إنه يرجع تاني للطريق، فالقصة بتاعته خدت بعد فوق الواقع شوية، كان أيامها في رواية جميلة لكاتب أفريقي خد نوبل بعدها أو ما خدهاش، الذاكرة غايب عنها اسمه دلوقتي، لكن فاكر إنه وقتها لما قريت له روايته وعجبتني قريت تعبير جميل لعمنا إدوار الخراط، وصف كتابته بإنها الميتاواقعية، تفريقا لها عن الميتافيزيقية، فأنا حبيت جدا التوصيف ده وكتبت الشخصية دي في الإطار دي، إنك تستخدم تفصيلة واقعية وتخليها ميتاواقعية وتديها بعد فلسفي بس من غير ما تقول كلام كتير.

ـ جه على بالي دلوقتي أسألك قبل ما نسيب مرحلة الشغل مع محمد خان، بما إنك عملت شغل عظيم مع سعاد حسني في (موعد على العشاء)، ليه ما اشتغلتش تاني مع سعاد حسني وخصوصا إن دي كانت فترة تألق فني ونضج غير عادي ليها؟

والله أنا ما أعرفش أعرض نفسي على حد، يعني إذا هو ما طلبنيش أوي بإلحاح يعني، ما أتحمسش للشغل معاه، عارف فكرة المدرسة اللي قلت لك عليها قبل كده وعلاقة الطفل بيها، هي دي طريقتي في الشغل.

ـ أصل يعني كان صعب حد يشتغل مع سعاد حسني مرة وما يحاولش يكررها، هل ما حصلش استلطاف بينكم ككاتب وممثلة؟

لا والله، كنا بنحب بعض جدا، ولما عرفت إني هاخرج أول فيلم، كلمتني وقالت لي أنا معاك، قلت لها بجد يا سوسو؟ قالت لي والله معاك، ده انت لذيذ جدا، وكنا صحاب أوي.

ـ طيب إيه اللي حصل؟

يعني ما حصلش إني كتبت موضوعات تحتم إن البطلة تبقى سعاد حسني، ده ما حصلش، زي عادل إمام برضه، كان يقولي انت مجنون يعني؟ الناس بيكسبوا من ورايا، ما تعمل لي حاجة انت وعاطف تكسبوا من ورايا، انتو أولى، فاقول له إن شاء الله لما ييجي مشروع هاحب أعمل ده جدا، يعني أنا ما باعرفش أعمل بيزنس، زي ما باقولك كده لما باشتغل في عمل وأنا مش مقتنع بيه أوي بابقى عامل زي التلميذ اللي يتمنى الدنيا تتهد ويحصل مطر ولا زلزال، لكن في مشاريع الجنون الفني وحده هو اللي بيدفعك تشتغل فيها.

ـ طيب تجربة (الحريف) كانت علاقتك بعادل إمام فيها إزاي؟

كنا صحاب جدا وحبايب.

ـ أنا باسألك عن ده، لإني حضرت موقف كنت قاعد فيه في كافتيريا بنت السلطان في المهندسين اللي كانت تحت بيت عادل إمام، وكنت قاعد معاه في بداية صداقتي بيه، الكلام ده كان سنة 97 وكنا في رمضان وقتها والمكان زحمة، فبابص كده لقيت محمد خان قاعد ورايا، ولفت انتباهي إنه لما دخل ما جاش سلم على عادل، فقلت أنبهه يعني، قلت له يا أستاذ عادل الأستاذ محمد خان أهوه قاعد هنا، ففوجئت إنه شتم خان، أنا كإن خنجر طعنني، قلت له إزاي ده عاملك فيلم من أعظم أفلامك، قالي وهو متضايق بلا أعظم بلا بتاع أنا عملت اللي أحلى منه، ولقيته بيتكلم بمرارة عن الفيلم لإنه ما نجحش جماهيريا، وانتقد حكاية الأنفاس اللي بدأ بيها الفيلم، وأنا قلت أكيد في حاجة غلط، إزاي عادل إمام مش قادر يشوف أهمية الحريف، اللي هو بالنسبة لي من أعظم أدواره، والحقيقة انبسطت لما الزمن لف وبقى بيقول كلام كويس عن الحريف وواضح إنه كان متأثر بكواليس سلبية ما، عشان كده سألتك عن علاقتك بيه؟

خلال تحضير الفيلم وتصويره ما كانش في أي مشكلة وعادل إمام كان منضبط جدا وملتزم، يمكن زي ما بتقول المشكلة حصلت بسبب عدم نجاح الفيلم جماهيريا زي ما اتعود، لكن برغم ذلك فضلت علاقتي بيه ممتازة، وعلى فكرة زوجة عادل السيدة هالة الشلقاني، كانت كل ما نلتقي تقولي إنها بتحب الفيلم ده جدا، وتقولي مش معقولة إيه الجمال ده، انت إزاي ما تشتغلش مع عادل، ده انت عندك حس كوميدي فظيع، ليه ما تشتغلوش مع بعض، والنبي يا بشير، واقولها حاضر طبعا، لكن ما يحصلش فرصة، وفاكر إني مرة كنت معزوم في مكان ما، وكان معايا علي بدرخان ومحمد السبكي ومحمد هنيدي.

ـ كنتوا بتعملوا فيلم (نزوة) وقتها؟

لأ كنا بنحضر لفيلم (حلق حوش) وكان علي بدرخان هو اللي هيخرجه في الأول، المهم لما عادل دخل المكان، قالوا هنروح نسلم عليه، قلت لهم روحوا انتو أنا قاعد، خلصوا وتعالوا.

ـ ده زعل بسبب موقف سابق ولا كبرياء في المطلق ولا خجل؟

دي تركيبتي، أنا ما باحبش أبقى متطفل إطلاقا، ومش مسألة كبرياء والله.

ـ أنا أقصد كبرياء للمهنة حتى؟

لا ما كانش ده في بالي، المهم بعد شوية رجعوا ولقيت عادل إمام معدي، فبص كده فلقاني قاعد في النص، فراح راجع وقالي إيه في إيه، ضحكنا جداً وبتاع، وعدّت الليلة وروّحت، لقيته بيكلمني، قالي إيه بقى؟ انت هتعمل فيلم لهنيدي؟ قلت له هو هنيدي في الفيلم آه، قالي طب أنا فين يا بشير، قلت له حاضر يا حبيبي هابعت لك السيناريو لو عاجبك اعمل الفيلم، هو هنيدي ليه دور تاني في الفيلم كده كده، فلو تحمست للفيلم ياريت، بعث لي محمد زين ـ مدير الإنتاج وقتها والمنتج الفني الكبير فيما بعد ـ وخد السيناريو قراه، وبعت لي تاني يوم عشان أروح له المسرح، وقالي أنا فطست على روحي من الضحك وأنا باقرا السيناريو، قلت له طيب كويس جدا بس أنا فين؟ قلت له انت أهوه، وشاورت على الأوضة وكانوا عاملين له طقوس في الأوضة بقى والزعيم وكده، قالي لأ أنا فين في السيناريو؟ قلت له انت طلبت السيناريو، وأنا بعثت لك السيناريو نزولا على رغبتك، لو عجبك أهلا وسهلا، ما عجبكش ميرسي جدا ونتقابل تاني، يعني على رأي المثل طول ما أنا طبال وانت زمار هنتقابل هنتقابل.

ـ ما كانش في واقعة قبل كده إنك بعثت له سيناريو، غير الحريف طبعا؟

سواق الأتوبيس، بعثنا له سواق الأتوبيس.

ـ معقولة؟

أيوه لإنه وقتها كان أهم اسم بالنسبة للموزعين والمنتجين، وأنا وعاطف عايزين الفيلم يتعمل كويس ويتصرف على إنتاجه، فبعثنا له الفيلم، فقال لنا ده شخصية رد فعل، كله رد فعل وأنا مش عارف المفروض أعمل إيه.

ـ يا خبر أبيض، بالتأكيد ندم بعد ما شاف الفيلم؟

الحقيقة، بعد ما الفيلم اتعمل، بقى واخدنا أنا وعاطف الطيب بيلف بينا على مصر كلها، يعني مثلا راح بينا لعمك محمود السعدني، حتى السعدني كتب عن الحكاية دي، قالك أنا لقيت اتنين عادل إمام جايبهم لي وأنا ما اعرفهمش وزي ما يكونوا اتنين مخبرين وبتاع، وكان هو لسه جاي من الخليج، وما كانش لسه شاف الفيلم وعادل هو اللي قاله عليه، وكان عادل بيعزمنا في مناسبات كتيرة عشقاً في العمل وعشقا فينا.

ـ طبعا موقف جميل منه، خصوصا إنه مش مجبر يعمل كده، لكن من باب الفضول يعني، هل اعترف لكم إنه غلط لما اعتذر عن الفيلم؟

لا ما جتش مناسبة لده، لكن أفتكر إنه كان عزمنا ولف بينا على كذا مناسبة من شدة حماسه للفيلم، وافتكر برضه إن العظيمة فاتن حمامة بعثت لنا عشان تقابلنا.

...

نكمل غدا بإذن الله

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.