خطف النساء السوريات ومسارات الإنكار

22 ابريل 2025
+ الخط -

ثمّة ذاكرة مُمتلئة باضطهاد النساء. كنت أظنّ أنّه لا يمكن الفكاك من تلك الذاكرة الحاضرة بسلاسة مفجعة! لكن ذلك يحصل اليوم، وبسلاسة أيضاً، لكنها سلاسة إنكارية، مؤسّسة على قرار بالإدانة وبحماية الجناة.

منذ سنوات خلت يتذكّر السوريون والسوريات مجموعة من الشابات السوريات، بلغ عددهن سبعاً وعشرين امرأة، بعد أن غُرّر بهنّ بذريعة العمل في لبنان ليُحتَجَزن ويُجبَرن على ممارسة الدعارة. ولولا هروب إحداهن وإبلاغها عن تلك الجريمة لبقين هناك في أسوأ الظروف حتى موتهن، وبالفعل لقد فقدت إحداهن حياتها أثناء رحلة الاحتجاز المُفجعة تلك.

 تعاطف السوريون والسوريات مع الفتيات والنساء الإيزيديات اللواتي خطفتهن داعش سيئة الصيت وباعتهن في أسواق النخاسة، في أسوأ انحطاط لا مثيل له في القرن الواحد والعشرين. لكن في زحمة المقتلة السورية، لم يتوقف السوريون والسوريات للتدقيق في الأخبار، ولا في مراجعة التفاصيل، واعتبروا أنّ ثمّة أطرافاً مُجبرة، أو أولى بها، التعاطف مع الإيزيديات المُختطفات.

 لكن داعش ومنظمات جهادية متشدّدة خطفت النساء السوريات أيضاً، بعضهن قُتل، وبعضهن وُضِع في أقفاص حديدية، وأخريات هُجّرن من قراهن وبيوتهن، والبعض ما زال مصيرهن مجهولًا، لقد فرضت تلك المنظمات الحجاب على النساء المختطفات، حتى الطفلات، وأجبرتهن على حفظ القرآن.

 مارس النظام البائد هذه الانتهاكات أيضاً ضدّ النساء، رهينات ومعتقلات ومغيّبات، كما قُتلت فتيات اغتصبهن وحوش النظام من ذويهن. بعض النساء لم يعدن أصلاً، لأنها كانت واثقة أنّ ما ينتظرها هو رصاصة في الرأس وعين ظنّتها حامية تحدّق في فوهة السلاح، وليس في وجه الابنة الضحية.

بدلًا من مسار رسمي للعدالة الانتقالية يُحاسب القتلة ماضياً وحاضراً بغضّ النظر عن طوائفهم وولاءاتهم، يتم تعميم مسارات الإنكار لتثبيت القوّة على الفئة الأضعف

نعم ثمّة ذاكرة مُمتلئة بالعنف ضدّ النساء، والحروب والنزاعات تمثّل بيئة خصبة لكل أنواع الانتهاكات. فكيف يكون الحال في بلد يتنازعه صراع مديد، والنساء هنّ أولًا، في قائمة الضحايا، ليس في العدد فحسب، بل بتعدّد الانتهاكات أيضاً. أثناء الهروب وفي طرق اللجوء، حتى في المخيّمات، تمّت مساومة النساء على حرّيتهن مقابل ورقة رسمية ضرورية، أو مقابل سلّة إغاثة لإطعام الصغار اليتامى والعزل من كلّ آلية حماية أو دعم.

الأشد رعباً وهولًا، هو التلاعب ليس في الذاكرة لتثبيت الإنكار بل في تفاصيل المقتلة. يجب هنا، وبحسم، حماية القتلة الكبار أصحاب القرار وإلحاق كلّ القتل والجرائم بقتلة صغار يغريهم الدم واعتادوا الدوران حول الضحايا إرضاءً لروح انتقامية زرعها أصحاب القرار بكلّ ثبات وعناية. هكذا هم تجار الحروب وقادة المقتلة، يوزّعون المهام المجرمة على صغار جنودهم، ويتفرّغون للخطابات الرنانة وللأحاديث المُنتقاة بعناية، تتوزّع المهام برتابة قاتلة، والكلّ يعرف جوره، الكلّ يتقبّل النتائج كأنها نتيجة طبيعية جدّاً للتغيير.

الآن، وفي خضم الانتهاكات التي حصلت في الساحل السوري يتم اختطاف الفتيات والنساء العلويات والقائمة احتوت أكثر من خمسين اسماً، ثمّة أخبار عن حوادث اختطاف فشلت، أو لفتيات تمكّنّ من العودة بعد الاختطاف. جوهر المشكلة هنا، وهي فعلياً أزمة أخلاقية وليست مجرّد مشكلة عابرة، هو الغرق في الإنكار! والإنكار هنا ليس من القتلة ولا من المختطفين فقط، بل من المجتمع، من شركاء الثورة التي قامت في وجه أعتى نظام دكتاتوري، والذريعة الوحيدة هي الحرص على بنية السلطة الجديدة، كأنّ الإنكار سلاح لحماية أصحاب القرار الجدد. 

 يشكّل هذا الإنكار المجتمعي حالة غريبة ومرفوضة حكماً، تتم ممارسة الإنكار علناً نتيجة فورة غامرة بالنصر، بالتفوّق. إنّ اختلال ميزان القوّة هنا يمنح جمهور السلطة الجديدة الحقّ في الإنكار، ليس بسبب نهوض مظلومية انتشت وبرزت وتماهت مع حالة القوّة السياسية والعسكرية على الأرض فحسب، بل بسبب القناعة بأنّ الأضعف يجب أن يسدّد ديناً في رقبته! هكذا يتم اختزال نظام ديكتاتوري مجرم برهن طائفة احتُسبت عليه، وتحوّلت إلى هدف هش يتم تبرير الانتقام منها، كأنّه علامة طبيعية في أيّة مرحلة انتقالية.

بدلًا من مسار رسمي للعدالة الانتقالية يُحاسب القتلة ماضياً وحاضراً بغضّ النظر عن طوائفهم وولاءاتهم، يتم تعميم مسارات الإنكار لتثبيت القوّة على الفئة الأضعف والمجرّدة من كلّ مسارات الدعم، وأولها الاعتراف بما يحدث فعلياً على الأرض.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.

مدونات أخرى