خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة: عزلة وفضائح أكاذيب
ظاهر صالح
شهدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة مشهداً لافتاً ومُدوياً بالتزامن مع بدء خطاب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث سُجّل انسحاب جماعي غير مسبوق لعشرات الدبلوماسيين وممثلي الدول. لم يكن هذا الانسحاب مجرد مقاطعة عادية، بل رسالة دولية صارخة ضد استمرار حرب الإبادة في غزة وسياسات الاحتلال المتطرفة، مؤكداً تزايد العزلة الدولية وارتفاع منسوب الاستياء من جرائم نتنياهو.
وُصِف الخطاب نفسه بأنه "خليط من الأكاذيب والتناقضات والتهديدات والابتزاز"، ومحاولة "بائسة" لتبرير جرائم الحرب والإبادة الجماعية المرتكبة في القطاع.
أكاذيب نتنياهو
في محاولة ماكرة لتبييض صورته، أبدع نتنياهو في ترويج الأكاذيب والمزاعم الباطلة، فزعم أن إسرائيل هي من تقدم الغذاء لسكان غزة، متهماً حركة "حماس" بسرقة المساعدات ومنع السكان من المغادرة. وفي سياق الردود المتهاوية على اتهامات الإبادة الجماعية، تذرع بالقول: "لو كنا نريد ارتكاب إبادة جماعية في مدينة غزة لما طلبنا من المدنيين مغادرتها!"، متجاهلاً حقيقة القصف المستمر والتدمير الشامل.
كما وجه رسائل تهديد مباشرة لقادة "حماس"، متوعداً بمطاردتهم إن لم يسلموا سلاحهم ويطلقوا سراح الأسرى الإسرائيليين. أما الرسالة الأكثر استفزازاً فتمثلت في رفضه القاطع لأي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية، مصرحاً لقادة الغرب بلهجة استعلائية: "إسرائيل لن تسمح لكم بالعمل على إقامة دولة فلسطينية، إعطاء الفلسطينيين دولة على بعد ميل من القدس بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول ضرب من الجنون لن نقبله أبداً".
وُصِف الخطاب نفسه بأنه "خليط من الأكاذيب والتناقضات والتهديدات والابتزاز"، ومحاولة "بائسة" لتبرير جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة
جنون القوة والتهديد الإقليمي
لم يكتف نتنياهو بتجاهل معاناة غزة، بل قفز إلى ملف إيران، مدعياً أنها تطور برنامجاً نووياً ضخماً بهدف تدمير إسرائيل وتهديد الولايات المتحدة، داعياً مجلس الأمن لتجديد العقوبات على طهران. وذهب أبعد من ذلك بالتباهي بضربات عسكرية، زاعماً: "سيطرنا على سماء إيران، وطيارونا قصفوا مواقع تخصيب اليورانيوم هناك".
هذا التبجح العسكري تزامن مع خطوة إعلامية غير مسبوقة، حيث تفاخر من منصة الأمم المتحدة بأن خطابه يُبث مباشرة عبر هواتف سكان قطاع غزة ونشطاء حركة "حماس"، في محاولة لتوظيف التكنولوجيا لبث الرعب والسيطرة.
المشهد الدولي: إدانة في القاعة والشارع
لم يقابل الخطاب بالصمت، بل بالإدانة العلنية والصريحة:
- الانسحاب الدبلوماسي: وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه "إثبات لنظرة العالم لإسرائيل"، وعلّق أحد المعلقين بحدة: "عندما يغادر الدبلوماسيون الأجانب القاعة واحداً تلو الآخر فور بدء خطاب نتنياهو، فإنهم لا يبصقون في وجه نتنياهو، بل يبصقون في وجه إسرائيل".
- الاحتجاجات الجماهيرية: سُجلت تظاهرات حاشدة مؤيدة للفلسطينيين في ميدان تايمز سكوير بنيويورك، حيث اتهم الآلاف نتنياهو بارتكاب الإبادة الجماعية.
- النقد الإسرائيلي اللاذع: وصف رئيس المعارضة يئير لبيد الخطاب بأنه "مُثقل بالخدع" لرئيس وزراء "منهك ومتذمر"، مؤكداً أنه "زاد من تدهور وضع إسرائيل"، فيما اعتبر مراسل القناة 12 أنه "أسوأ وأفشل خطاب" لنتنياهو منذ عقدين.
الموقف الفلسطيني: الحقيقة لا تُطمس بالأكاذيب
أكد المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني أن الخطاب مجرد محاولة للهروب من المسؤولية القانونية عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترقى إلى جريمة مكتملة الأركان وفق القانون الدولي. وشدد على أن "الأكاذيب الإسرائيلية لن تغير من الحقيقة"، وأن العالم بات أكثر وعياً بطبيعة الاحتلال الاستيطاني. كما حمّل الإدارة الأميركية والاحتلال المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية في غزة.
في المحصلة، جاء خطاب نتنياهو فصلاً جديداً من التهديد والإنكار، يخلط بين تبرير المذابح والتباهي بالقوة ورفض حق الفلسطينيين في دولتهم. خطابٌ يكشف عزلة متزايدة على الساحة الدولية، ويعكس مأزق الاحتلال الذي يحاول أن يفرض "سلاماً إقليمياً" على مقاسه، لكن الحقيقة تبقى أقوى من الأكاذيب.