حملات دولية ولكن؟
ثمةَ مفارقةٌ، مخيبة وفاقعة، العنف يغلّف حياة البشر اليومية ومواقع التواصل ونشرات الأخبار والإعلانات ممتلئة بمنشورات ومواد إعلامية وإعلانية صوتية وبصرية، تتماشى كلها مع حملة الستة عشر يومًا، الممتدة من الخامس والعشرين من نوفمبر وحتى العاشر من ديسمبر، إذن، هي حملة عالمية لمناهضة العنف الممارَس على النساء بناءً على النوع الاجتماعي.
تغدو المفارقات مقرفةً غالبًا، وقهريةً على العموم، النساء والفتيات، والجميع في خطر وتحت رحى طاحونة العنف في بلدان تُشنّ عليها حروب مباشرة وبالوكالة. ثمةَ من يتجاهل كل ما يحصل، يبرر سكوته، يعمم مواقفه الازدواجية، والعنف يستبيح حيوات الجميع، والجميع عاجزون حتى عن الصراخ، عاجزون عن معرفة تاريخ اليوم وتفاصيل الوقت العنيف الذي يجري ساحبًا معه أشكالًا مستجدة من العنف المتفاقم، الوضح رغم فجوره، المعمم رغم ضآلة مساحة الجغرافيا التي يدور فيها.
كل مناسبة دولية هي جرس تذكير بما يجب فعله حيال قضية تستوجب التدخل، تستوجب الإشارة إليها، وربما مواصلة كل ما تم إنجازه سابقًا، لكن تبدو عبارة حملة، خاصة أنها ممتدة لستة عشر يومًا متواصلًا، أكبر من مجرد جرس للتذكير! يبدو الأمر وكأنه مسار يبدأ بيوم اختارته الأمم المتحدة للإضاءة على كل أشكال العنف الممارَس ضد النساء، لكن هذا المسار يكتسب أهميةً خاصة، أهميةً مطلبية، حقوقية، شاملة وعالمية، المتضررات منها محددات بالعدد وبالمكان، بالنوع الاجتماعي الممارَس ضده عنف ممتد، بعضهن محددات بالاسم وبمكان الإقامة وبنوع العنف الذي مورس ضدهن وبآلية تصديهن لهذا العنف، أو صمتهن عنه، وربما موتهن أصبح جرسًا يرن للتذكير بهن كضحايا.
لكن، الأهمية القصوى لهذه الحملة هي موعد يوم انتهاء الحملة في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) وهو تاريخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان! إذن هي حملة تذكّر، تكرر، تضيف، تستقوي بما حصّلته من خبرات، تستنهض الكامن من القدرات، تبرهن على وجود مئات الآلاف من الضحايا، لكنها تختم كل ما سبق، تتوج الحملة نفسها مستندةً على نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لتأكيد الربط بين النساء وإنسانيتهن أولًا، لتأكيد أن حقوق النساء في كل أرجاء المعمورة هي حقوق إنسانية أولًا وليست مجرد حقوق تفضيلية، ممنوحة كهدايا رمزية أو جوائز ترضية لتطييب خواطر الضحايا من النساء المعنفات، فقط لأنهن نساء.
من الضروري طغيان الوجه الحقوقي للحملة على الجانب الوجداني والتعاطفي، إن الاستمرار بتناول العنف الموجه ضد النساء على أنه ظاهرة موسمية شكلية، هو تفريغ الحملة من هدفها الأصيل وجدواها المديدة والكفيلة بإلغاء كل أشكال العنف ضد النساء.
لذلك، يبدو من الأساسي والضروري جدًا تقييم كل الإنجازات التي تحققت على هذا الصعيد، خاصةً التعديلات القانونية، أو تقدم مسار التوعية الذي سلكته النساء، كما ينبغي دومًا تثبيت مفاهيم جديدة تناسب كل عنف مستجد، خاصةً أن الحياة وفي مسارها الأبدي العظيم، لا تقوى بل لا تنتبه دومًا إلى حلقات العنف المستجدة التي تواكب كل تطور، مثل الابتزاز الإلكتروني ونشر وتعميم ثقافة كراهية وازدراء النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى وسيلة التواصل الأوسع والأكثر انتشارًا في العالم.
إن ربط أهداف الحملة بآليات رقابية وربما عقابية هي الوحيدة التي ستشكل حزامًا واثقًا وممتدًا من الردع عن اقتراف العنف كجريمة ضد الإنسانية بشكل عام وضد حقوق النساء التي هي حقوق إنسانية أولًا وآخرًا، تُستلب حقوق النساء وتعمم ثقافة عدائية تجاه الفئات الأكثر هشاشةً والمحرومة من وسائل الحماية والدعم كلها.
إن كل الثقل الإعلاني والإعلامي الذي يواكب حملة الستة عشر يومًا، سيكون قليل الأثر ومحدود الهدف إذا لم يتضمن خطاب الدعوات لإلغاء جميع أشكال العنف ضد النساء خطاب الحقوق للجميع وللفئات الأكثر تهميشًا أولًا وبعناية أكبر.