حقائب الرحيل

حقائب الرحيل

31 اغسطس 2021
+ الخط -

أشعر، منذ بدء الأزمة في لبنان، بصعوبةٍ في الكتابة. هناك غضبٌ يعتصر قلبي، لكنّني أعجز عن ترجمته في كلمات. أعجز عن ترتيب أفكاري بطريقة "مهذّبة". لا مكان هنا إلا للشتيمة. أكتب، وأنا لا أعرف إذا كنت قادرة على إنهاء هذه السطور، أو أنّني سأقوم في النهاية، كعادتي في الفترة الأخيرة، بمسح النصّ.

أشعر، ويشعر معظم اللبنانيين، أستثني هنا مؤيّدي السلطة وأزلامها، كعصفور مسجونٍ داخل قفص، يطبق عليه أكثر كلّ يوم. أحتاج أن أفرد جناحَي. قبل فترة ليست ببعيدة، أتذكّر أنّه كانت لديّ أحلامٌ. كنتُ قد بدأت بترتيب حياتي. قرّرتُ أن أعيش لنفسي، ولنفسي فقط. أتعرف كم صعبٌ أن تقرّر العيش لنفسك؟ اتّخذتُ هذا القرار أخيراً. كان لا بدّ من ذلك. لم أعد قادرة على رؤية أيّامي تمضي، وأحلامي تمضي معها.

أكذب لو قلتُ إنّني أرغب في الرحيل، لكنّني حزمت حقائب السفر منذ زمنٍ

 

لكنّني اليوم عدتُ إلى نقطة الصفر. عدتُ إليها رغماً عنّي. لم يعد هناك متّسعٌ للحلم هنا. لم يعد جناحَاي قادرين على حملي لأي مكانٍ. مسمّرةٌ أنا في مكاني والأيام تمضي، وتمضي معها الأحلام. لماذا وُلدتُ في هذه البقعة المنحوسة؟ من زرع فيّ الأمل ذات تشرينٍ قيل عنه "فجر لبنان الجديد"؟

أكذب لو قلتُ إنّني أرغب في الرحيل، لكنّني حزمت حقائب السفر منذ زمنٍ. فيها وضعتُ ضحكاتٍ تصبح أكثر زيفاً كلّما مرّ الوقت. ومعها ذكرياتٌ حفظتها عن ظهر قلب. قلبي هنا أيضاً. فيه جميع من أحبّ. سأضع بجانبه فنجان قهوة أمّي. فيه شيءٌ من رائحتها.

منذ غادرتُ منزل والديّ وأنا أشتاق إليهما شوق المغادر بلا رجعة. ربّما أردت بذلك أن أعوّد نفسي على الغياب. سأرحل في نهاية المطاف. سأحمل أشلائي وأرحل، وسأترك قلبي في تلك الحقيبة، كعصفورٍ مسجونٍ داخل قفص، يطبق عليه أكثر كلّ يوم. وسيصدح في الخلفية صوت أميمة الخليل تغنّي، عن عصفور طلّ على شباكها و"نزلت على خدّو دمعة، وجناحاتو مِتْكِية، وتهدّى بالأرض وقال، بدي إمشي وما فيّي...".