حصاد العار الساداتي وامتداده

20 فبراير 2025
+ الخط -

لا يلزم أن تكون زرقاء اليمامة لترى سوء القادم في أثر القائم، وإن كانوا سيقتلعون عينيكَ ويقطعون لسانك ويصلبونك على أبواب المدينة بعد أن تقع الواقعة، ليس تشاؤمًا بل مخافة مواجهة الذات بحقيقة قبحها، كالوحش الذي يكسّر المرايا بعد توحّشه تنكّرًا لما أمساه. 

ليست هي لحظة الاكتشاف المُباغت، وإن كانت ذروة تجلّي الأثر الذي أحدثته الانبطاحات المتتالية عبر عقود منذ الاستعداد لاتفاقية كامب ديڤيد المشؤومة، ومرمغة الإنجاز العسكري التاريخي في وحل الاعتراف والتطبيع، ففقدت الوجهة والامتداد وانسلخت عن كلّ ما تنتمي إليه أو تحتمي فيه.

دعك من العار الآن، فلعلّه راسخُ اللحظة في كراسي الحكم ببلادنا المنكوبة بلا استثناء، ودعونا نستعيد بعض ملامح التشوّه التي أوصلتنا إلى حيث نحن: التشوّه الذي طال عقيدة الوجود المصري وشرعيّته (لا عقيدته القتاليّة فقط)، في تمهيد لازم لقبول عصر (السلام) المرهون بالرخاء والتنمية بديلاً من الخراب والدمار اللذين تخلّفهما الحروب، رغم تضخّم الغاية المؤسِّسة للعدوّ على الجانب الآخر، في دولته الكبرى، التي تعتبر نحو ثلث مصر جزءًا توراتيًّا منها، ولم تكبح العداء أو تهذّبه ولو علنًا.

التشوّه الذي حصل بالتبعيّة في تعريف العدوّ والصديق، العداء والتحريض والحصار الرسمي والمترسمن على المقاومة (فكرًا وتنظيمًا وممارسة) ورميها بالإرهاب والتخريب أو الغباء والحماقة في أهون الصياغات، وبثّ هذا السمّ في الآذان والأذهان منذئذٍ، حتى في لحظات الإبادة وتحميلها مسؤوليّة جريمة يرتكبها العدوّ حصرًا.

المنظومة التي انبنت على أسس مصلحيّة غير وطنيّة، وجب التخلّص منها

وفي المقابل الارتماء في أحضان العدوّ الحصري لمصر بلدًا وشعبًا وحدودًا ودورًا وتاريخًا، ورهن القرار بيده وكالةً بعد حماية أمنه ومصالحه وشراكته أمنيًّا واقتصاديًّا ومعلوماتيًّا وغيرها، على حساب حاضنتك وامتدادك وأمنك القوميّ (بالتعريف) والارتهان له ولغيره بالقروض والمنح التي تنزع عنك شيئًا فشيئًا لا دورك وأثرك وحدهما إنما كنهك كذلك.

التخلّص من تيار المبدأ لحساب شلّة المصلحة، وعقاب هؤلاء على رفضهم في مقابل تمكين أولئك من مفاصل البلد سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًا واقتصاديًّا، وهو ما خلق شبكات عَفِنة يقوم وجودها وتراتبيّتها فقط على نسب الرشى والعمولات من الصفقات والمعونات وما بينهما، ومقاومة هذه الشلّة لأيّ فعل "وطني" قد يهدّد مكاسبهم ومصالحهم، وطبعًا وجودهم، مهما كان خطيرًا في ذاته وأثره. 

وقبل هذا وذاك، لعلّ أبو التشوّهات هو الاعتقاد بأن الأمر لأميركا، حيث "٩٩% من قواعد اللعبة بيدها" كما قال السادات واعتقد، وأنّ الأمن من إسرائيل، أمن البلاد وأمن الكراسي، وأنّ النديّة مُهلكة، والانضمام إلى القطيع يُسعد الجميع، وهو ما شوّه الذات بعد التشكيك فيها، وزعزع الاعتقاد بالقدرة على الفعل أو إمكان الحركة، وألا بديل بالتبعيّة إلا للتبعيّة.

يجب حسم مسار التبعيّة ودور الصهيوني الوظيفي الذي تقوم به السلطة

هذه اللحظة (كواحدة من تبعات السابع من أكتوبر العظيم) على ما فيها من ارتباكٍ وتشوّش، واحتمالات مفتوحة بدءًا من تسارع الطلقات الترامبيّة لإلهاء الكوكب عن مخطّطاته الفعليّة، وصولاً إلى واقعيّة تصوّراته المخبولة عن التهجير، إلا أنها في كلّ حال "امتحان نهاية العام" اللي هيتبعه تحوّل/انقلاب في نظم الحكم في بلادنا والمنطقة كأثر ممتدّ للتعاطي مع الأزمة على صورتيها قبولًا ورفضًا، شرعيّةً ووجودًا، وهندسةً راسخة. 

المنظومة التي انبنت على أسس مصلحيّة غير وطنيّة، وجب التخلّص منها، وفي لحظةٍ بهذا الجنون والخطورة، لا أعرف (شخصيًّا) كيف يمكن حصول هذا دون تسليم البلد لمخططات المخبول البرتقالي.

لكن الأكيد حسم مسار التبعيّة ودور الصهيوني الوظيفي الذي تقوم به السلطة، والاعتماد حصرًا على المقاومة والناس، والتعجيل في إنشاء محور حقيقي في المواجهة بلا غلب الخليج ولا أتباع ومتصهينين متأمركين، عربًا كانوا أو عجمًا.