"حرب أهلية" لا أهل لها!

15 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 17:41 (توقيت القدس)
+ الخط -

يبدو مصطلح "الحرب الأهلية" كأنّه وليد اللحظة، الكثير يرغب في حمله، في استعماله، في النداء به، وإطلاقه على كلّ ما هبّ ودبّ. فحين تُلاحق جهاتٌ أمنية متورطين في عمالة للعدو وخيانة لأهل مدينتهم وتَلوّث أيديهم بدم الصحافيين الأبرياء على طريقة الاحتلال الإسرائيلي، يروق للبعض تسمية تلك "حرب أهلية"، مع أنها "بلطجة" من طرف، أو "زعرنة" كما يحبّ أن يسميها الفلسطينيون، ومحاولة لضبط الأمن وتجفيف منابع ترويع الآمنين ونهب المجوّعين من طرف آخر. 

تلك العصابات التي كان يعمل أطرافها قطّاع طرق في عزّ المجاعة، فيسطون تحت غطاء الطائرات الإسرائيلية على شاحنات المساعدات، لبيعها في السوق السوداء تارة، ولزيادة معاناة الفلسطيني تارةً، ولتلميع العدو الذي يتذرّع بأنّه يُدخل مساعدات يسرقها الفلسطينيون تارةً أخرى، باتت في يوم وليلة كتائب ثوار وجيشًا شعبيًّا يخوض معركة شرف وكرامة ضدّ هؤلاء "المجرمين"، الذين أودوا بغزّة إلى الجحيم حين داسوا على طرف الاحتلال الإسرائيلي! فلا يبالون أنّ رواتب تلك العصابات قد تأتي من الشاباك، أو أنها تَخدم العدو بأهدافه نفسها، أو أنّهم أذرعه المستعربة في إكمال المذبحة. المهم لدى بعض "النشطاء" تصوير الأمر وكأنّه ثورة يحاول المقاومون إخمادها، وحرب أهلية تُشعلها الفصائل بين عائلات غزّة، مع أنّ الحقيقة أنّ ورود عائلات غزّة من خيرة الشباب إنما قُطِفت بأيدي هؤلاء الآثمين، الذي قَتلوا صالح ونعيم ومحمد في ساعة واحدة، كأنّ غزة كان ينقصها مأتم إضافي فوق سرادقها الذي ينعقد جماعيًّا لمئة ألف شهيد.

المحاولات في تدليس الصورة إنما تخدم كيانًا واضحًا لا سواه، بعيدًا عن حسابات الخلاف الفلسطيني الداخلي

تلك المحاولات في تدليس الصورة إنما تخدم كيانًا واضحًا لا سواه، بعيدًا عن حسابات الخلاف الفلسطيني الداخلي، وبعيدًا عن الفصائل وما بينها، وبعيدًا عن فتح أو حماس. هي لا تُبهج إلا العدو الذي يطمئن على سرديته التي يشاركه إياها الفلسطيني نفسه، ومعركة الرواية التي لا يحتاج لأن يُعيّن فيها مؤثّرون غربيون بـ540 مليون دولار، ولا أن تنفق وزارات الدعاية أو الحرب الإسرائيلية دم قلبها في تجنيد "الإنلفونسرز" ما دام بين "الإنفلونسرز" العرب أنفسهم من يحاول القيام بالمهمّة نفسها، "مجانًا"، أو "كما يبدو مجاناً"!

والحقيقة واحدة هنا، واضحة وضوح الشمس، سر خلف الطلقة، وتتبّع آثارها، وأعد سيرتها الأولى قبل أن تسكن أجساد صالح وفلان وفلان، وانظر من يطلقها تجاه من، وارفع عينيك للسماء قليلًا لترى المُسيّرات والمُقاتلات وطائرات الاستطلاع تحمي من، وتستهدف من، ومن ينسّق مع من ليقتل من، وحينها ستتوصّل وحدك إلى النتيجة الحاسمة، من دون أن تتكبّد جهدًا يجاوز الخمس دقائق؛ فثمّة ثلاثة أطراف في المعادلة: مقاومون، ومحتلون، ومتعاونون مع الأخير ضدّ الأول؛ وصدقني، لو أريتني صورةً غير تلك، ولو توصّلت إلى نتيجة سواها، لصدّقتك على ما توصّلتَ إليه.

الذي يحدث طوال الإبادة هو إعادة تطبيق طرق الاستعمار في الاحتلال على أرض محروقة وشعب ممحيّ من على السجلات والخريطة، وما يحدث الآن هو ما اعتاد الاستعمار فعله حين يتراجع قليلًا، فيسلّط كلابه على خصومه، ليقضي بعضهم على بعض بشكل أسرع، فيما يستدعي المستشرقين لينظّروا على هؤلاء "البربريين" الذين كان الاستعمار خيرًا لهم من أن يُتركوا لحال سبيلهم. 

ومع ذلك، في النهاية، كما في كلّ قصص التاريخ المُشابهة.. انتصر وينتصر المقاومون في النهاية.