جدل حول "قطايف" وسامح حسين
في كلّ موسم رمضاني، تبرز برامج جديدة تثير نقاشات وجدلية واسعة، خصوصًا عندما تتداخل فيها قضايا الدين والفن. أحدث مثال على ذلك برنامج "قطايف" الذي يقدّمه الفنان سامح حسين، والذي أثار حالة من الانقسام على وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيّد ومعارض، بين من يراه محاولة لنشر القيم الإيجابية ومن يعتبره خلطًا غير مقبول بين الفن والوعظ.
بين الترحيب والرفض.. أين الحقيقة؟
الجدل حول البرنامج انقسم إلى عدّة اتجاهات، كلّ منها ينطلق من خلفية فكرية وقناعات خاصة. فالفريق المؤيّد يرى أنّ سامح حسين يقدّم محتوى بسيطًا وهادفًا، خاليًا من التكلّف والمبالغة، ويطرح أفكارًا اجتماعية وقيمًا أخلاقية بأسلوب سلس يناسب الجمهور العام. ويرى هؤلاء أنّ وجود فنان معروف بسيرته الجيدة في تقديم مثل هذا المحتوى أفضل من ترك الساحة خالية أو ملئها ببرامج سطحية لا تقدّم فائدة حقيقية.
الفريق المعارض ينطلق من منظور ديني، رافضًا الفكرة من أساسها ومعتبرًا أنّ الفنانين بشكل عام ليسوا مؤهلين للحديث في الدين، ويرى أنّ تقديم شخصية من الوسط الفني لبرنامج يحمل طابعًا دينيًا يمثّل خطرًا على وعي الناس، لأنه قد يخلط بين دور الفنان الوعظي وبين خلفيته المهنية التي قد لا تتناسب مع طبيعة المحتوى.
أصبح الكثيرون أسرى أحكام مسبقة تحكم على الأشخاص قبل المحتوى، وعلى المبادرات قبل تقييم أثرها الحقيقي
وهناك أيضا الفريق الرافض لأسباب سياسية، والذي يعتبر أنّ ظهور برنامج كهذا هو محاولة من النظام لصناعة "قدوات بديلة"، وتشتيت الانتباه عن قضايا أكثر أهمية مثل اعتقال العلماء والدعاة، ومنع البرامج الدينية الجادة التي كانت تقدّمها شخصيات علمية مرموقة مثل الشيخ الشعراوي والدكتور عطية صقر وغيرهما.
هل الفن والدين ضدان لا يجتمعان؟
القضية هنا تتجاوز برنامج "قطايف" إلى إشكالية أعمق تتعلّق بعلاقة الفن بالدين. فهناك نظرة تقليدية ترى أنّ الوسط الفني بيئة غير ملائمة لنشر القيم الدينية، وأخرى ترى أنّ الفن يمكن أن يكون وسيلة فعالة لنقل رسائل إيجابية ودينية طالما التزم بمضمون محترم.
هذا السؤال يفتح الباب أمام نقاش أوسع: هل المشكلة في الفنان ذاته أم في المحتوى الذي يقدّمه؟ ولماذا يُرفض أن يتحدّث فنان عن القيم الدينية، بينما يُقبل أن يتحدّث إعلاميون أو سياسيون، بعضهم أقلّ التزامًا من الناحية الشخصية؟
حالة الجدل وأزمة الثقة العامة
ما يعكسه هذا الجدل في جوهره هو أزمة ثقة مجتمعية أعمق: فقد أصبح هناك ميل لرفض أيّ مبادرة بناءً على الجهة التي تصدر عنها وليس بناءً على محتواها، وهو ما يدفع باتجاه استقطاب حاد حيث يتم تصنيف الأشخاص والأفكار بسرعة، إما ضمن "المقبولين" أو "المرفوضين" من دون محاولة تقييمهم بإنصاف.
أصبح هناك ميل لرفض أي مبادرة بناءً على الجهة التي تصدر عنها وليس بناءً على محتواها
بعبارة أخرى، أصبح الكثيرون أسرى أحكام مسبقة تحكم على الأشخاص قبل المحتوى، وعلى المبادرات قبل تقييم أثرها الحقيقي. وهو ما يجعل النقاشات حول قضايا مثل برنامج "قطايف" تتجاوز كونه برنامجًا إلى نقاش حول من له الحق في التأثير المجتمعي، وكيف يتم تصنيف المؤثرين وفقًا لقناعات مسبقة.
ختامًا: كيف نقيّم الأمور بإنصاف؟
في النهاية، الحكم على مثل هذه البرامج لا ينبغي أن يكون بناءً على المواقف المسبقة، بل بناءً على تقييم موضوعي لمحتواها ومدى تأثيرها الحقيقي. قد يكون من المشروع التساؤل عن مؤهلات مقدّم المحتوى عندما يكون الطرح دينيًا، لكن الأهم هو مدى صحة المعلومات المطروحة ومدى التزامها بالمبادئ الإسلامية الصحيحة.
وفي ظلّ واقع يهيمن عليه الترفيه السطحي، فإنّ أيّ محاولة لتقديم محتوى هادف تستحق التوقف عندها بعقلانية، بعيدًا عن التشنّج والرفض المطلق أو القبول غير المشروط. فالقضية ليست في شخص سامح حسين وحده، بل في طريقة تعاطينا مع أيّ محاولة لتقديم محتوى إيجابي في زمن أصبح التافهون هم الأكثر انتشارًا وتأثيرًا.