ترامب يكشف المخطط والسيسي يغطّيه

02 فبراير 2025
+ الخط -

في مشهد عبثي لا يمكن تصديقه حتى في أسوأ أفلام الديكتاتوريات، تجمع عدد محدود من الأشخاص عند معبر رفح، يرفعون لافتات كُتب عليها "نرفض تهجير الفلسطينيين!"، وسط أجواء باهتة بلا حماسة. على الجانب الآخر، وقفت كاميرات الإعلام الموالي للنظام، تصور المشهد من زوايا ضيقة، بحيث يبدو وكأنّ هناك "حراكًا شعبيًا"، بينما في الواقع، كل شيء كان مخططًا له مسبقًا.

أما خلف الكواليس، فالأمر مختلف تمامًا. الأوامر كانت واضحة: السماح بهذه الوقفة المحدودة، ليس لأنها تعبر عن إرادة حقيقية، بل لأنها جزء من مسرحية يُراد لها أن تصل إلى الخارج. المشاركون كانوا معروفين، الشعارات اختيرت بعناية حتى لا تحرج النظام، وحتى الهتافات جاءت مترددة، كأنها أداء ضعيف في مشهد مرتجل. لا مجال لخروج أي صوت خارج النص، فالتعليمات كانت واضحة: "أي تجاوز... والتصوير يتوقف فورًا!".

هذا ليس تخمينًا ولا مبالغة. لقد رأينا نفس السيناريو في 30 يونيو، ورأيناه عندما أراد النظام تبرير التعديلات الدستورية، ورأيناه عندما احتاج السيسي إلى غطاء شعبي في أي أزمة. ولكن هذه المرة، اللعبة أخطر، لأن القضية ليست مجرد لعبة داخلية، بل تتعلق بمصير الفلسطينيين أنفسهم.

ترامب يفضح المخطط والسيسي يتظاهر بالرفض

بينما كان المشهد الهزلي يُعرض عند معبر رفح، كان دونالد ترامب يلقي بتصريح من العيار الثقيل. في لقاء صحافي بالبيت الأبيض، قالها بصراحة: "مصر والأردن سيستقبلان سكانًا من قطاع غزة". وعندما سأله أحد الصحافيين: "هل تعتقد أنهما سيفعلان ذلك؟"، أجاب بكل ثقة: "نعم، سيفعلان".

هذا التصريح لم يكن مجرد رأي أو توقع، بل كشف عن مخطط يجري العمل عليه بجدية، لكنه أربك السيسي، الذي سارع إلى التغطية على الأمر بإخراج مشهد المظاهرات "الرافضة للتهجير". وهنا نصل إلى السؤال الأهم:

لماذا دفع النظام بهذه المظاهرات العبثية؟

- لتقديم نفسه بصفة المدافع عن فلسطين، أراد النظام أن يظهر وكأنه يقود جبهة الرفض، حتى إذا حدث التهجير لاحقًا، يكون قد قدم نفسه كمن حاول منعه لكنه فشل أمام الضغوط الدولية.

- للسيطرة على أي تحركات شعبية حقيقية: بإطلاق احتجاجات مصطنعة، يضمن النظام أن يبقى الخطاب حول التهجير تحت سيطرته، بحيث لا تخرج مظاهرات شعبية حقيقية تحرجه أو تكشف تواطؤه.

- لحماية المصالح الاقتصادية لنخب التهريب والتنسيق الأمني: مليشيات إبراهيم العرجاني، التي نظمت جزءًا كبيرًا من هذه المظاهرات، ليست معنية بالقضية الفلسطينية، بل تخشى أن يضر التهجير بمصالحها الاقتصادية، إذ تربح الملايين من تهريب البضائع عبر المعبر، بتنسيق أمني مع الاحتلال.

هل التهجير القسري ممكن؟

رغم هذه التحركات المشبوهة، فإن تنفيذ التهجير ليس سهلًا، وهناك عقبات حقيقية أمامه:

- صمود الفلسطينيين: تاريخيًا، لم يكن الفلسطينيون شعبًا يقبل بالنزوح طواعية، وتجربة 1948 و1967 أثبتت ذلك.

- الموقف الشعبي العربي: رغم القمع، فإن وعي الشعوب العربية بخطورة التهجير يتزايد، وهناك رفض متنامٍ لهذا السيناريو.

- التوازنات الدولية: حتى لو رغب الاحتلال وأميركا في تنفيذ التهجير، فإن قوى أخرى وبعض الدول الأوروبية لن تقبل بذلك، خوفًا من تفجير المنطقة.

لكن الأخطر من كل هذا، أنّ الأنظمة العربية، بما فيها نظام السيسي، ليست سوى أدوات في هذا المخطط، ترفضه ظاهريًا لكنها في النهاية تنفذ التعليمات متى طُلب منها ذلك.

عند ساعة الحقيقة... من سيقاوم؟

عندما يحين وقت تنفيذ التهجير، سيكون الفلسطينيون وحدهم في الميدان، بينما يقف الطغاة على الهامش، ينتظرون أوامر جديدة. لكن ما لا يدركه السيسي ومن على شاكلته أن التاريخ لن يرحم، وأن الشعوب قد تغضب ببطء، لكنها لا تنسى. وعندما تأتي لحظة الحساب، لن تكون هناك كاميرات لإخراج مشهد جديد ينقذهم من السقوط المدوي.