تداعيات الضربة الإسرائيلية ضد إيران

13 يونيو 2025
+ الخط -

استيقظت المنطقة صباح الجمعة الموافق 13 يونيو/ حزيران 2025، على وقع حدث جلل قد يغيّر ملامح الشرق الأوسط، تمثّل في الضربة الإسرائيلية المُباغتة والنوعية على إيران، والتي تجاوزت مجرّد استهداف مواقع، لتصل إلى اغتيال قيادات الصف الأوّل العسكرية وقيادات وعلماء البرنامج النووي الإيراني. هذه العملية الاستباقية غير المسبوقة هي بمثابة تحوّل جذري في توازن القوى، وتداعياتها ستكون عميقة وواسعة النطاق على الصعيد الإقليمي والدولي، وبشكل خاص على القضية الفلسطينية والواقع العربي والإسلامي.

نشوة المنتصر وتداعياتها على المشهد الفلسطيني

لطالما شكّل الدعم الإيراني لحركات المقاومة الفلسطينية، مصدر تهديد استراتيجي لإسرائيل، حيث كان ركيزة أساسية ضمن استراتيجية "محور المقاومة" الهادفة إلى تشكيل ضغط دائم على وجود إسرائيل وأمنها. ومع اغتيال قيادات عسكرية رفيعة المستوى وعلماء نوويين بارزين، تتعرّض القدرة الإيرانية على الاستمرار في هذا الدعم، بالوتيرة نفسها والشكل نفسه، لضربة قاصمة. هذه الاغتيالات ليست مجرّد خسارة لأفراد، بل هي تدمير للبنية المؤسسية والعلمية التي تدير وتخطّط.

هذه التطورات ستخلق فراغاً استراتيجياً هائلاً في المشهد الفلسطيني. فمن المرجّح أن يؤدي التركيز الإيراني على إعادة بناء القدرات الأمنية والعسكرية الداخلية، وردع أيّ هجمات مستقبلية، إلى تراجع كبير في مستوى الدعم الخارجي لهذه الفصائل. هذا قد يجبر الفصائل الفلسطينية على إعادة تقييم شاملة لاستراتيجياتها وتحالفاتها، والبحث عن مصادر دعم بديلة قد لا تكون متاحة بسهولة أو بالفاعلية نفسها، مما قد يدفعها نحو خيارات صعبة.

هذه الاغتيالات ليست مجرّد خسارة لأفراد، بل هي تدمير للبنية المؤسسية والعلمية التي تدير وتخطّط

من جانب آخر، يُنظر إلى هذا التراجع المتوقّع في النفوذ الإيراني من قبل إسرائيل بوصفه فرصة ذهبية لتعزيز موقفها وخططها. فهذه الضربة منحت إسرائيل نشوة المنتصر، مما سيشجّعها على تعزيز كلّ ما هو سلبي تجاه قطاع غزّة، بما في ذلك استمرار الحرب والقتل والتدمير وسياسة التجويع وبقوّة أكثر. وفي ظلّ حكومة اليمين الحالية، ستجد إسرائيل مبرّرًا لتسريع وتيرة تنفيذ مشاريع الضم للضفة الغربية وتوسيع الاستيطان بشكل غير مسبوق، وسيمنح إسرائيل مساحة أكبر للمناورة، ويعزّز شعورها بالحصانة، مما يفاقم معاناة الشعب الفلسطيني ويقوّض أيّ فرص للحل.

الضربة وتأثيرها على العالم العربي والإسلامي

إنّ ما كشفت عنه هذه الضربة النوعية بوضوح هو عمق الضعف والانقسام والتبعية التي يعيشها العالم العربي والإسلامي. فبينما كانت المنطقة تترقّب ردات فعل قويّة ومنسّقة، جاءت الاستجابات متفرّقة وضعيفة، عاكسةً غياب مشروع عربي إسلامي موحّد قادر على فرض كلمته، أو حتى التأثير الفعلي في مسار الأحداث. هذا الضعف يتجلّى في الشلل الاستراتيجي، والتبعية المُطلقة للقوى الكبرى، وغياب الإرادة السياسية الحقيقية. هذا الوضع يزيد من تعقيد المشهد الفلسطيني، حيث يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة إسرائيلية أكثر تصلّبًا، وفي ظلّ دعم إقليمي معدوم. من الناحية الاقتصادية، تزيد الضربة من حالة عدم الاستقرار، مما يؤثّر سلباً على الاستثمارات وأسعار النفط، ويزيد من الضغوط على الاقتصادات العربية والإسلامية الهشّة. سياسياً، قد تزيد هذه التوتّرات من التدخلات الخارجية المباشرة، وتدفع نحو مزيد من الصراعات بالوكالة التي تستنزف المنطقة.

هشاشة النظام الإيراني

لا يمكن فصل نجاح الضربة الإسرائيلية النوعية وعمق الاختراق الأمني الذي كشفته عن هشاشة المنظومة الأمنية والاستخبارية للنظام الإيراني. فهذه العملية لم تكن لتنجح بهذا الحجم من الدقة والاستهداف لولا وجود ثغرات جوهرية في العمق الأمني الإيراني. التحليل المعمّق يشير إلى أنّ انشغال النظام الإيراني بشكل مفرط في التدخلات الخارجية وشؤون بعض الدول العربية، عبر تغذية النزاعات الطائفية ومدّها بالمال والسلاح، قد أتى على حساب تحصين جبهته الداخلية وتعزيز منظومته الدفاعية والاستخبارية.

تدفع إيران اليوم ثمن التوسّع الإقليمي على حساب التحصين الذاتي

لقد استنزفت هذه التدخلات الخارجية موارد إيران وطاقاتها، سواء البشرية أو المادية، وحوّلت بوصلة الاهتمام عن بناء درع أمني حصين في الداخل. فالجهود المبذولة في دعم بعض الأحزاب والجماعات والأنظمة والأذرع الإقليمية في العراق وسورية ولبنان واليمن، مع كلفتها الباهظة، ربما أدّت إلى إهمال تطوير وتحديث الأجهزة الأمنية والاستخبارية المعنية بالحماية الداخلية للمنشآت الحيوية والقيادات العليا. هذا التشتّت في الأولويات، والتركيز على خلق نفوذ إقليمي عبر وكلائها، قد أدى إلى تراخٍ في اليقظة الأمنية، وتسهيل لعمليات الاختراق من قبل أعدائها، ما جعلها عرضة لمثل هذه الضربة الاستباقية التي استهدفت قلب قدراتها الاستراتيجية. إنّ هذه الهشاشة تكشف ثمن التوسّع الإقليمي على حساب التحصين الذاتي.

استشراف مستقبل غامض

إنّ الضربة الإسرائيلية النوعية على إيران، واغتيال قياداتها العسكرية وعلماء مشروعها النووي، ليست مجرّد حدث عابر، بل هي نقطة تحوّل تاريخية قد تعيد تعريف قواعد اللعبة في الشرق الأوسط بشكل كامل. إنها تكشف عن حقيقة مُرّة مفادها أنّ غياب الدور العربي الفاعل والموحّد لا يخدم سوى أجندات القوى الخارجية، ويضع القضية الفلسطينية في مهبّ الريح أمام قوة إسرائيلية معزّزة وشعور بالحصانة.

يضعنا توازن القوى المتغيّر بشكل دراماتيكي أمام حقيقة أنّ القضية الفلسطينية هي مرآة تعكس أعمق التحولات الجيوسياسية في المنطقة. إنّ فهم هذه التداعيات وتقييمها بدقة، إلى جانب إدراك عمق الضعف العربي والتبعية وهشاشة بعض الأنظمة الإقليمية، هو خطوتنا الأولى نحو استشراف المستقبل المجهول، ومحاولة توجيه البوصلة نحو تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وإعادة بناء دور عربي وإسلامي قوي وفاعل قادر على حماية مصالحه.

طالب دكتوراه في تخصّص العلوم الادارية
محمد رجوب
طالب دكتوراه في تخصّص العلوم الادارية، وباحث في المجالات التربوية والإدارية والسياسية.