المفارقة بين صفعة ''بريجيت'' والصفعات التي تتلقاها النساء يومياً

28 مايو 2025   |  آخر تحديث: 18:39 (توقيت القدس)
+ الخط -

ما يشغل الرأي العام العالمي خلال هذين اليومين، ليس إبادة الفلسطينيين/ات وتجويع الأطفال وتقتيلهم، ولا تقتيل النساء هنا وهناك، بل "صفعة ماكرون الزوجية'،' إذ صار أغلبهم مهتمًّا بتحليل شخصية ''السيّدة الأولى'' وطبيعة العلاقة بين الزوجين التي بدت قائمة على علاقات القوّة. وبينما آثر البعض التركيز على النتائج المُترتّبة على هذه الصفعة على المستوى الدولي وأثرها عفي هيبة الرئيس ومستقبله السياسي وصورة الدولة الفرنسية، مال أغلبهم إلى إنتاج الصور الكاريكاتورية والفيديوهات الساخرة وغيرها.

وبقطع النظر عن شغف الجماهير بالفُرجة ومتابعة أخبار طلاق الفنانين والتلاسن بين هذه الممثلة وتلك و"فضائح" السياسيين والإنستراغراميات والمؤثّرات وغيرهنّ، فإنّ ما يعنينا في هذا الصدد هو تعليقات الناس التي تكشف عن مخيال جمعيّ يمارس التمييز بين الجنسين، فيتساهل مع الصفعة الصادرة عن الرجل تجاه امرأة في الفضاء المنزلي أو العامّ لأنّها تتلاءم مع التوقّعات الاجتماعية وتَمَثُّلِ الرجولة المعيارية وتدخل في حالات في حقّ الزوج في تأديب امرأته والسيّد في تأديب خادمته والأب في تأديب ابنته...

 يطبّع المجتمع مع العنف الذي يمارسه أغلب الرجال تجاه النساء

وفي المقابل، تغضب الجماهير وتمارس شتى ضروب العنف اللفظي والنفسيّ على امرأة صفعت زوجها، وهو أمر مفهوم، إذ تبدو صورة "بريجيت'' صادمةً، لأنّها تخالف التمثّلات السائدة التي تصل المرأة بالضعف واللين والخضوع والنعومة. وبناء على ذلك، فإنّ "بريجيت'' الفاعلة التي تؤدّب زوجها وترفض مساعدته أثناء النزول من الطائرة امرأة "مسترجلة" تقلب المعايير الجندرية رأساً على عقب، فلا بأس أن تنهال عليها الشتائم والتعليقات الساخرة، فتغدو في قلب الحدث. وهكذا ينصح بعضهم "ماكرون" بالاتصال بفرقة دعم ضحايا العنف حتى يتمكّن من الإفادة من خدماتها، بينما يهوّن آخرون عليه المصاب فيعتبرون أنّ الصفعة تتماهى مع دور المعلمة/ الأمّ. 

يتقاطع التمييز الجندريّ مع التمييز على أساس السنّ فيلقّب البعض بريجيت بـ''العجوز الشمطاء'' ويذهب البعض الآخر إلى إبراز تداعيات من يتزوّج مسنّة. فماذا نتوقّع من امرأة تنتمي إلى القواعد من النساء؟ فالمعروف أنّ هؤلاء يتحرّرن من المعايير والضوابط، وما تمرّد "بريجيت" على زوجها وعدم الاكتراث بهيبته وموقعه ورفضها الاضطلاع بدورها السياسي الثقافي المتمثّل في ممارسة "الدبلوماسية الناعمة" إلّا علامة دالة على أنّ المسنّة "جبّارة" لأنّها تتمتّع بسلطة اجتماعية تجعلها تبني علاقاتها مع الآخرين على أساس القوّة والتسلّط، بل إنّها تؤثر ممارسة الهيمنة والعنف المادي وفرض سلطتها، فتكون التراتبية الهرمية محفوظة وتحظى بالمقبولية الاجتماعية، إذ يحقّ للكبير أن يعلّم الصغير ويؤدّبه ويتعالى عليه ويحطّ من شأنه أمام الجميع.

العنف مدان بكلّ المقاييس ومن منطلق إنسانيّ وأخلاقيّ

الصفعة الرئاسية /الحميمية/ صفعة بريجيت... أطلقت العنان للجماهير، فراحت تتصوّر ماذا كان سيحدث لبريجيت لو صفعت سلطانًا أو ملكًا أو خليفة؟ ماذا كان أن يحدث لها لو فعلت ذلك أيّام الثورة الفرنسية؟ كيف سيكون مصير هذه العلاقة؟ كما أنّها عرّت البنى الذهنية التي ما زالت تنظر إلى المسنّة على أنّها "فاقدة الصلاحية"، "نذير شؤم"، ولا بدّ من أن تتوارى عن الأنظار لتُفسح المجال للشابّات الجميلات. 

لقد كشفت "صفعة بريجيت" عن ازدواجية المعايير، فالمجتمع يطبّع مع العنف الذي يمارسه أغلب الرجال (اللفظي، المادي، النفسي، الرمزي) تجاه النساء ولا يخجل من إبداء التعاطف مع المجرم والانحياز الذكوري بينما لا يتسامح مع العنف الذي تمارسه قلّة من النساء. 

إنّ أساس الإدانة لا يمكن أن يبنى على قاعدة التمييز بين الجنسين وازدواجية المعايير الاجتماعية لأنّ العنف مُدان بكلّ المقاييس ومن منطلق إنسانيّ وأخلاقيّ. أمّا الصفعة الحقيقية في نظرنا، فهي أن تُقتل النساء من الوريد إلى الوريد، وأن يمارس عليهن القهر والاستغلال والغبن ولا تتناول قضاياهنّ بجدية في الإعلام. الصفعة الحقيقية هي أن يُتحرّش بهنّ أمام الملأ ويُشتمن وتصدر الأحكام المُسبقة حول أعمارهن واختياراتهن وأجسادهن وتصرّفاتهن ولا يتحرّك ساكن أحد بل يلوذ أغلبهم بالصمت المُخجل.