بين المبادرة العربية للتطبيع والتطبيع

بين المبادرة العربية للتطبيع والتطبيع

11 ديسمبر 2020
+ الخط -

أطلق الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز مبادرته للسلام عام 2002 عندما كان وليا للعهد، والتي وعد فيها إسرائيل بالتطبيع الكامل، مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وردت تل أبيب وقتها على تلك المبادرة باجتياح الضفة الغربية. رد اعتادت على فعله مع كل الضعفاء الذين يحاولون التودد إليها.

 وعقب 20 عاماً من تجاهل إسرائيل لتلك المبادرة، ومواصلة الاستيطان والتهويد وسن التشريعات العنصرية بالتحول لدولة يهودية، يعود بعض العرب لتقديم مكافأة لتل أبيب بإهدائها تطبيعا مجانيا، والانضمام للرواية الإسرائيلية، وقيادة جبهة للدفاع عن إسرائيل واحتلالها، وتهشيم الصمود الفلسطيني وتجريمه، في سياق سيريالي يعجز التحليل السياسي عن استكشاف كنهه، يقول من يقود هذا المسار إنه الطريق الوحيد لمواجهة الخطر الإيراني، لكن الحقيقة أنه الطريق الوحيد للدفاع عن كراسيهم بمواجهة شعوبهم وليس بمواجهة إيران، من يريد مواجهة الأطماع الخارجية ومنها إيران يقوم بتمتين جبهته الداخلية ويراهن على شعبه، وليس على الخارج.

كما أن ذلك التيار المتصهين ألم يقدم لنا أدلة على حالات سابقة دافعت فيها إسرائيل عن حلفائها؟ ألم تترك تل أبيب الجنرال لحد يواجه مصيره؟ ألم يسقط الشاهن شاه رغم تحويله طهران لقاعدة أميركية إسرائيلية في عهده؟ ماذا عن حسني مبارك؟ ماذا عن الأكراد الذين رفرفت أعلام إسرائيل في مكان وعلى أسطح بناياتهم وبجانب غسيلهم على حبال الغسيل؟ تركتهم إسرائيل فريسة لحكومة بغداد وللأتراك والإيرانيين بعد إعلانهم عزمهم على الاستقلال متحدين الجوار .

وعقب أكثر من 20 عاما، تبدو خيارات العرب في مواجهة المشروع الصهيوني محصورة اليوم بين: "المبادرة العربية للتطبيع" – وهو الاسم الحقيقي للمبادرة العربية- والتطبيع، فيما إسرائيل هي إسرائيل، تزداد يمينية وتصهينا والتهاما للأرض العربية، ليكون التنبيه ضروريا إلى خطورة الوقوع في فخ تبني المبادرة العربية واعتبارها نصرا عربيا، بمقابل تجريم التطبيع المجاني، فالمبادرة العربية للتطبيع التي قدمت عام 2002 والتطبيع المجاني عام 2020 هما وجهان لفشل عربي واحد وتردٍ، وإطلاق مبادرات مجانية تركلها إسرائيل دوما، التي لديها الذكاء الكافي لمعرفة أن من يتقدمون بتلك المبادرات مهزومون، والمهزوم لا مكان له على طاولة التفاوض.

بخصوص المقاربة في التعامل مع تمسك السعودية بالمبادرة العربية للسلام، يجب أن ننطلق من أنها هي أولا وآخرا اعتراف وتطبيع مع إسرائيل، وبالمحصلة أصلاً إسرائيل أول من ركلها، وبالتالي يجب أن لا نكون في موقع الاختيار بين المبادرة العربية أو التطبيع. كل من الاثنين أسوأ من الآخر. صحيح أن موقف  المملكة العربية السعودية أفضل من موقف دولة الإمارات العربية المتحدة، على الأقل لم تتورط الرياض حتى الآن في التطبيع، لكن المبادرة العربية بالمحصلة هي عبارة عن تنازل مجاني وقفزة في الهواء، ماتت منذ أكثر من عشرين عاما، وليس دورنا إحياء الأموات، بل الإفادة من الأخطاء التي انتهت بهم للوفاة، وتوليد مشروع وطني فلسطيني وعربي داعم لتحرر الشعب الفلسطيني، واستعادة قضيته المختطفة، وتجاوز القيادة الحالية التي تَأَكد كل يوم أنها لا يراهن عليها، وإطلاق المبادرة العربية الفلسطينية للإنقاذ، ليس إنقاذ فلسطين فقط بل الاستناد إلى القضية الفلسطينية في انتشال الأمة العربية من القاع الذي وقعت فيه.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.