بطن الخنزير

بطن الخنزير

07 مارس 2022
+ الخط -

بقلم: سجين رأي في معتقلات مصر

كانت العصافير تغرد على الأغصان.
فيطرب لها كثير من الكائنات.
لكن الخنزير الغرير كان منزعجاً من تغريدها.
فهو يريد تغريدها فوق رأسه هو.
ولم لا تغني له وحده؟؟ أليس هو القوي المتحكم؟

قالت العصافير:
نحن نغرد للمحبة.. للجمال.. للإشراق بعد الظلام.. للصحو بعد الإعصار.. ولا نغني لأحد من الكائنات، خلقنا الله هكذا لا يد لنا.

حاول أن يراودها.. أن يُخضعها كما أخضع من قبل الغربان بالسماح لها بالاقتياد على أكوام القمامة.

قال ألم أسمح لكم بالتقاط الحبوب من الأرض؟
بل سأحضر لكم المزيد من مخازن الغلال.

لتتجنب أذاه حاولت العصافير تهدئته:
ليس بوسعنا الغناء لك. لقد جبلنا على تغريدات الجمال ولست بحاجة لشقشقتنا ضعيفة الأصوات. 

فلديك الغربان الزاعقة يغنون لك صبح مساء.

تجشأ المخاط والزفير من خشمه مخنفراً: 
ولكنني أريد غناءكم فلم تمتنعون؟؟
ويل لكم أتتمردون!!

قرر معاقبتهم بعذاب أليم. فتوعدهم أن يبتلعهم أحياء ليلبثوا في بطنه إلى زمن غير معلوم لا يموتون فيه ولا يحيون.

تجرأت العصافير فحلقت إلى قريب: ماذا جرى للقوي الشرير؟!

سلّط غربانه فطاردتهم في السماء.
ومن يهوي منهم إلى الأرض يلتقفه إلى كرشته القابلة للتمدد على الدوام.
وفي كل يوم يقذف الغرير إلى جب بطنه ضحية جديدة لتتكدس الطيور التي لم تعرف إلا براح السماء..

كانت الحرارة خانقة لمن اعتاد السماء المنعشة.
كانت الرائحة منتنة للطيور التي نشأت بين الأزهار.
كان النَهِم يقذف عليها لفائف ما يلملم تنفث عليها كتل البكتيريا الهاضمة حُمَماً من الغازات.

وعندما ينام تخرج أسراب الصراصير من أشلاح بطنه والديدان من أشراجه.
اخترقت الديدان المفلطحة جلد الطيور.
التفت الشريطية حولها.
خنقت الإسكارس الآهات.

صارت العصافير عصبية المزاج.
تزاحمت.. تدافعت.. تنافرت.
فطِن أحد صغارها فصاح: لماذا؟!
لماذا تتناقرون بينكم؟؟!!
لما لا تنقرون بطن الخنزير؟

رد أحدها محبطاً:
ألا تعلمون أن جلده سميك؟!

أضاف آخر: وتحيط به طبقة من الدهن السميك. فماذا تفعل مناقير العصافير؟

صاح الصغير متعجباً: افهموا لن تنقروا جلد الخنزير من الخارج.. بل ستنقرون معدته من الداخل.

تساءل ثالثاً: لم لم يهب أشقاؤنا من الخارج لمساعدتنا؟! لقد تخلوا عنا!

أجاب الصغير بسرعة: إنهم مطاردون منهكون فلنعتمد على أنفسنا.
كانت الديدان تراقب باهتمام، ولكنها لا تفهم لغة الطيور.

وبُعيد فجر يومٍ معلوم فزع الغرير من نومه على مسامير تدق من داخل بطنه.
صاح متأوها. تسارع دق المسامير. تحول الصياح إلى صراخ.
أخذ يدور حول نفسه كالمصروع.
تجشأ مخاطاً ببقع الدم.
كان أتباعه يحملقون مندهشين.. لقد أصابه الجنون.
توقفت الغربان عن غناء الصباح وهربت إلى بعيد. 
رويدا رويدا خرجت العصافير من مخابئها لتنظر: أين ذهبت الغربان؟؟!!

تجرأت العصافير فحلقت إلى قريب: ماذا جرى للقوي الشرير؟!
كان ما زال يتلوى متمرغاً في التراب. يصدر الصراخات.

تجمعت العصافير أكثر فأكثر. 
شقشقت عالياً مستبشرة.

فجأة خرجت من لقفه فقاعة بصوت مسموع. أعقبها سائل لزج كريه تترنح فيه الطيور السجينة.

انبعثت شقشقات التشجيع.

جمّعت السجينة قواها فرفرفت إلى أقرب الأغصان.. ناظرة إلى براح السماء.
تنفست النقاء بعد لوثة الاختناق. 
تعالت تغريدات الجمال من جديد.
تعالت شقشقات الانعتاق.
تعالت تغريدات الجمال من جديد.

* وصلت إلينا هذه المقالة من سجين رأي في أحد معتقلات مصر، وطلب منا أن ننشرها، لكي يصل صوته بشكل ما إلى خارج أسوار السجن، ويشعر أنه يقاوم وطأة التجاهل والتغييب في السجون دون محاكمة ولا عدالة مثل آلاف المعتقلين السياسيين في مصر.

قلم مسجون
سجين رأي
سجين رأي..