انتخابات العراق 2025 بين الغياب والتحالفات الجديدة

05 مايو 2025
+ الخط -

تتجه أنظار العراقيين إلى الانتخابات النيابية المقبلة في عام 2025، وسط تحولات سياسية عميقة وتبدلات في موازين القوى، تجعل من هذا الاستحقاق اختبارًا حاسمًا لمدى قدرة النظام السياسي على امتصاص التوترات الاجتماعية والتعبير عن التحولات المجتمعية التي بدأت تفرض نفسها بعد احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019. وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات لا تُجرى في ظل بيئة مثالية، إلا أن معالم المنافسة بدأت تتضح مبكرًا، في ظل غياب قوى وعودة أخرى، وصعود تحالفات مدنية ناشئة تسعى لشق طريقها في مشهد يهيمن عليه الاستقطاب التقليدي بين القوى الشيعية الكبرى.

أحد أبرز معالم هذه الانتخابات هو إعلان التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر، مقاطعته للعملية الانتخابية. هذه المقاطعة، رغم أنها ليست الأولى، تأتي هذه المرة في سياق سياسي مختلف؛ إذ يواصل التيار انسحابه منذ الانسحاب المفاجئ لنوابه من البرلمان في صيف 2022، بعد فشلهم في تشكيل حكومة أغلبية وطنية. هذا الانسحاب لم يكن تكتيكيًا فحسب، بل جاء ردة فعل على ما اعتبره الصدر "هيمنة الإطار التنسيقي" على مفاصل الدولة. ومع مرور الوقت، تحولت المقاطعة من موقف احتجاجي إلى استراتيجية مدروسة، يعكسها الإصرار على الابتعاد عن الانتخابات المقبلة، ورفض العودة حتى من خلال وجوه جديدة أو تحالفات غير مباشرة.

غياب التيار الصدري يترك فراغًا سياسيًا واسعًا، خاصة في المناطق ذات الثقل الشعبي الصدري، مثل بغداد، وذي قار، وميسان، والبصرة. هذا الفراغ قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية لصالح قوى منافسة، سواء كانت من الإطار التنسيقي أو من المستقلين، لكنه في الوقت نفسه ينذر بانخفاض نسبة المشاركة الشعبية، ويعزز الشعور بفقدان الثقة بالعملية السياسية، لا سيما في أوساط الشباب الساخط على النظام بأكمله. ومع أن التيار الصدري يمتلك أدوات ميدانية وتنظيمية كان يمكن أن تجعله فاعلًا رئيسًا في هذه الانتخابات، إلا أن اختياره الانسحاب يضع علامات استفهام حول مستقبل تمثيل هذه القاعدة الشعبية في النظام السياسي، وربما يمهد لتحولات أعمق في شكل النظام السياسي إذا ما تراكم الغياب الصدري في المحطات المقبلة.

غياب التيار الصدري يترك فراغًا سياسيًا واسعًا ويهدد بتراجع المشاركة الشعبية، خاصة في المناطق ذات الثقل الصدري مثل بغداد وذي قار وميسان والبصرة

في المقابل، بدأ تحالف مدني جديد يتشكل في محاولة لملء الفجوة التي خلفها تراجع التيار المدني بعد احتجاجات تشرين، وغياب التيار الصدري. هذا التحالف يقوده السياسي عدنان الزرفي، ويضم الحزب الشيوعي العراقي، بالإضافة إلى شخصيات سياسية مدنية بارزة، مثل النائب المستقل سجاد سالم. يسعى هذا التحالف إلى تجميع الأصوات المدنية التي ترفض الاصطفافات الطائفية، وتطالب بإصلاحات عميقة في بنية الدولة، مستندًا إلى شعارات تشرين ومطالبها، لكنه في الوقت نفسه يحاول تجاوز الأخطاء السابقة التي أضعفت التيار المدني في انتخابات 2021، مثل الانقسامات الداخلية، وغياب القيادة الموحدة، والضعف التنظيمي.

عدنان الزرفي، الذي سبق له أن شغل مناصب إدارية مهمة، يمتلك رصيدًا سياسيًا في بعض المحافظات، خصوصًا النجف، كما يتمتع بخطاب وسطي يدعو إلى دولة المؤسسات والتوازن في العلاقات الإقليمية والدولية. انضمام الحزب الشيوعي إلى هذا التحالف يعطيه بعدًا رمزيًا، بوصفه أحد أقدم الأحزاب العراقية وأكثرها تمثيلًا لتقاليد المعارضة الوطنية، رغم تراجع تأثيره الانتخابي في السنوات الأخيرة. أما سجاد سالم، فهو يمثل جيلًا جديدًا من السياسيين الذين خرجوا من رحم الحركات الاحتجاجية، ويتبنى خطابًا حازمًا في مواجهة الفساد والمحاصصة. لكن هذا التحالف، رغم وجوهه الجاذبة، يواجه تحديات حقيقية تتعلق بضعف الإمكانيات المادية، وغياب قواعد تنظيمية واسعة، ومحدودية الانتشار في المحافظات ذات الثقل العشائري أو الطائفي. ومع ذلك، فإنه يمثل بارقة أمل لقوى تسعى إلى تقديم بديل عقلاني ووطني بعيدًا عن الاصطفافات الحزبية التقليدية.

على الجهة الأخرى، يظهر رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني بوصفه أحد أبرز الفاعلين في الانتخابات المقبلة، إذ تشير المعطيات إلى أنه سيخوض السباق الانتخابي من خلال تحالف واسع يضم عددًا من النواب المستقلين، فضلًا عن قوى رئيسة منضوية ضمن الإطار التنسيقي، وعلى رأسها منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وكتلة عطاء برئاسة فالح الفياض، وجند الإمام بقيادة أحمد الأسدي. هذا التحالف يعكس العلاقة العضوية بين حكومة السوداني وقوى الحشد الشعبي، التي تشكل العمود الفقري لتحالفه الانتخابي، بما يضمن له قاعدة جماهيرية صلبة، خصوصًا في المحافظات الجنوبية.

السوداني، الذي تمكن خلال فترة حكمه من تحقيق نوع من الاستقرار السياسي والاقتصادي النسبي، يحاول أن يقدم نفسه مرشحاً توافقياً، يجمع بين الكفاءة الإدارية والمرونة السياسية. يستفيد السوداني من موقعه التنفيذي لتوسيع نفوذه، إذ يستخدم أدوات الدولة لتحسين صورته لدى المواطنين من خلال مبادرات تنموية وخدمية، وهو ما قد يُترجم إلى مكاسب انتخابية. غير أن تحالفه مع قوى الحشد الشعبي يضعه في موقع حساس، إذ إن هذه العلاقة قد تُستخدم ضده من خصومه السياسيين والمدنيين، لا سيما في ما يتعلق بمسألة استقلالية القرار العراقي، والعلاقة مع إيران، ومستقبل السلاح غير الرسمي.

من جانب آخر، تتهيأ قوى الحشد الشعبي، بكل تفرعاتها، لخوض الانتخابات بثقة عالية. منظمة بدر، التي تمثل أقدم وأقوى تشكيل سياسي وعسكري داخل الحشد، تمتلك شبكة مصالح اقتصادية وإدارية ممتدة في عمق الدولة، بينما تسعى كتلة صادقون التابعة للعصائب إلى تثبيت نفسها قوةً سياسية أكثر استقلالية عن الهيمنة الإيرانية الظاهرة. فالح الفياض، بصفته رئيس هيئة الحشد الشعبي، يلعب دورًا سياسيًا متزايدًا، ويتحول تدريجيًا إلى قطب انتخابي يُنسق بين القوى الحشدية والسلطة التنفيذية. أما أحمد الأسدي، فهو يسعى لإعادة بناء تحالفه السياسي على أسس جديدة تجمع بين الخطاب الوطني والحضور العسكري، مستفيدًا من تراجعه النسبي في الانتخابات الماضية.

تعتمد هذه القوى في صعودها على وجود فراغ نسبي في الساحة الشيعية نتيجة غياب التيار الصدري، إضافة إلى قدرتها على التعبئة في المناطق الريفية والفقيرة، حيث تنتشر ثقافة المقاومة والدعم للحشد بوصفه ضامنًا للأمن. ومع ذلك، فإن استمرار هذه القوى في تجاهل المطالب الشعبية بالإصلاح، والاعتماد على السلاح وسيلة للنفوذ السياسي، قد يؤدي إلى ردة فعل شعبية عكسية، خصوصًا إذا تزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية أو الأمنية.

في المجمل، تبدو انتخابات 2025 مرشحة لأن تكون مفصلية في تحديد مستقبل التوازنات السياسية في العراق. فهي تجري في ظل انقسام داخلي شيعي غير مسبوق، وتراجع في ثقة الجمهور، ومحاولات مدنية خجولة لإعادة التموضع. ورغم أن الوجوه المتصدرة للمشهد لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها، إلا أن السياقات التي تُجرى فيها الانتخابات تختلف تمامًا، ما يجعل نتائجها أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه ظاهريًا. إنها ليست مجرد انتخابات برلمانية، بل معركة رمزية على مستقبل الدولة العراقية بين قوى السلطة، وقوى الغضب، وقوى الإصلاح التي لم تجد بعد طريقها إلى القاعدة الشعبية الواسعة.