النساء والترفيه وثقافة التسلية

18 فبراير 2025
+ الخط -

كيف تتصوّر النساء الترفيه؟ وكيف يُحدّد الجندر/الطبقة/الدين/السنّ.. طرائق ولوج النساء إلى فضاءات الترفيه والتسلية؟ وكيف تُمارس النساء الأنشطة الترفيهية في سياقاتهن المختلفة التي تُهيمن عليها الثقافة الذكورية؟

تُبيّن الدراسات النسوية للتسلية والترفيه التعالق بين مشاركة النساء في نوادي الغناء والسينما والمسرح أو الرياضة و... ومحدّدات الطبقة الاجتماعية والعرق والسنّ والدين وغيرها. ففي أنظمة رأسمالية تستغّل الفرد وتسطو على كلّ أوقاته وتكيّف أنشطته لثقافة الاستهلاك، يغدو الترفيه لدى البعض عرضًا للذات، وشكلًا من أشكال التكيّف مع مقتضيات تحقيق النجاح وكسب الاحترام المجتمعيّ والتموقع. وينجم عن ذلك اتّساع الهوّة بين الطبقات وترسيخ التمييز بين مختلف الفئات والطبقات.

وبينما يختار الرجل أماكن الترفيه والتسلية بكلّ حرّية ودون حاجة للتبرير أو التفاوض  تخضع أغلب النساء للمساءلة: فلِم يغادرن بيوتهنّ ويتنصّلن من مسؤولياتهن في سبيل الالتحاق بالنوادي؟ وهكذا تُسيّج أنشطة التسلية والترفيه وتغدو تجارب النساء مُخبرة عن التمييز على أساس الجندر، فثمّة أماكن محدّدة للتسلية وهناك رقابة عائلية، وأخرى مجتمعية، إلى جانب إخضاع المشاركة النسائية في الأنشطة الترفيهية لشرط الاستئذان.

لا تتجلّى اللاعدالة في التمييز بين الجنسين فقط، بل تلوح اللاعدالة الاجتماعية بين النساء. فاللواتي يمتلكن الرصيد المالي يكنّ قادرات على الاستمتاع بوسائل الترفيه والتسلية، وأحياناً مضطرات إلى مجاراة الواقع والخضوع لثقافة الاستهلاك، ذلك أنّهن يكتسبن قيمتهن من امتلاك الرصيد البنكي والعقارات.. وتحقيق المجتمعية وبناء الذوات التي يُعاد تشكيلها من خلال الترفيه.

الخوف من كلام الناس والحفاظ على السمعة والاحترام من أهمّ المبررات التي تجعل المرأة مُمارسة للرقابة الذاتية

وفي المقابل، تُحرم النساء المكدودات والخاضعات لما يفرضه النظام الرأسمالي من قواعد استغلال الجهود والأجساد والأوقات واستنزاف الحيوات، فرص الاستمتاع بنصيب من الراحة والترفيه عن النفس.

لا يحصل الفرز بين النساء على أساس الطبقة فحسب، بل ثمّة معايير أخرى، كالعرق والسنّ والانتماء الأيديولوجي تفرض المنع، إذ صار ولوج الأمكنة الترفيهية الخاصّة بالطبقات الاجتماعية المرفّهة ذات التوجّه الإسلاموي الليبرالي محرّمًا على ''العلمانيات'' والفقيرات والسوداوات وغيرهنّ. فقد أضحت الأنشطة الترفيهية (كممارسة اليوغا والتأمّل الروحاني والخلوات في الطبيعة في نهاية الأسبوع...) وسائل لبناء هُويات المنتميات إلى الطبقة الوسطى الجديدة. ففي هذه الأماكن الترفيهية الخاصّة تحرص النساء على إبراز الوجاهة الاجتماعية وقصص النجاح في ظلّ مجتمع رأسمالي يروّج آراء تُقنع الفرد بأنّ الاحترام يكتسب من خلال قدرة المرء على تحسين وضعه المادي وإثبات أنّه يعيش في مجتمع الرفاه" عيشه هنيه"، وبذلك تُحوّل الذات إلى منتج تسويقي قابل للتثمين.

وبناءً على ما سبق، لنا أن نتساءل: هل يمكن للنساء''العاديات'' الاستمتاع بأوقات فراغهن في ظلّ نظام أبويّ يرهق كواهلهن بأدوار الرعاية والخدمة غير المثمّنة وفي ظلّ نظام رأسمالي متوحّش يستغلهن لتنمية الثروات؟

إنّ تحميل المرأة وحدها مسؤولية الاهتمام بالأسرة وسدّ حاجات الجميع الأساسية والعاطفية والتربوية والرعائية يجعل أنشطة الترفيه المسموح بها محدودة جدّاً أو موصولة إلى بعض الأعمال، كعقد اللقاءات مع الصديقات لإنجاز بعض الأعباء كتنظيف الخضر وإنجاز أشغال الخياطة والتطريز وصنع الحلويات.. وهكذا تتحوّل المجتمعية إلى وسيلة للتضامن النسائي واقتناص بعض الساعات لتبادل الأخبار والملح.

لا يعترف المجتمع، بالمعايير والتقاليد والعادات التي يرسّخها، بحقوق جميع النساء في التسلية وحاجتهن إلى التحرّر من الضغط اليوميّ ورتابته، إذ ينظر إلى الأنشطة الترفيهية على أنّها "مضيعة للوقت" و"مجلبة للانحراف''، ومن ثمّة يُخضعها للرقابة الاجتماعية، فيكون الخوف من كلام الناس والحفاظ على السمعة والاحترام من أهمّ المبررات التي تجعل المرأة مُمارسة للرقابة الذاتية.

ولكن هناك وعي نسائي قد بدأ يتشكّل، يجعل فئة من الشابّات والنساء يبتكرن ممارسات وطقوس وأنشطة بسيطة وغير مكلفة تحقّق لهنّ المتعة والبهجة والمجتمعية في كنف إطار غير ليبراليّ، غير رأسماليّ، غير بطريركي، غير استعماري.

آمال قرامي
آمال قرامي
أستاذة دراسات النوع الاجتماعي بالجامعة التونسية، ناشطة حقوقية وكاتبة.