المقاومة والشعب: الدرع الأخير
ليس قدَرًا ما يقوله ترامب، سبق وقال ولا أحسبه سيتوقف، والعبرةُ بما نفعَل لا بما يقول، والخيارات ليست مفتوحة على المدى إذ سقطَ منها يقينًا الكثير خليجيًّا وأمميًّا، ولعلّ من دليل بؤس الحال أن يكون شيءٌ من الرّهان -في الأزمة، ورهاني شخصيًّا- على الموقف الرسمي المصري بجانب من لم تتمّ مراسم صهينته بعد من العرب.
وقصور الحكم في بلادنا ليست أقلّ جنونًا ولا قبولًا بما هو مختلّ من الحال في واشنطن أو تل أبيب، وعداء حكامنا -في مصر والأردن والخليج وغيرها- لفلسطين قضيّةً وشعبًا ومقاومة ثابتٌ تاريخًا وممارسةً منذ أغرقونا في وحل كامب ديڤيد ووادي عربة وأوسلو وصاحباتهم، حصارًا واعتقالًا وتسليمًا وتقتيلًا، وسوابق الاختبار تقول بما يُتوقّعُ أداؤه منهم.
أما التصريحات فقد سبقَ رفضه الحالي إعلانًا مصوّرًا بصحبة ترامب في فترته البائسة الإولى يعلن فيها موافقته ودعمه لصفقة القرن (التي جوهرها إنهاء القضية الفلسطينيّة مرّة واحدة وللأبد، وتفريغ قطاع غزّة بالكامل عبر تهجير أهله لمصر أو غيرها) كما سبقَ تزامنًا مع الإبادة تصريح عن القبول بالتهجير إلى النقب مثلًا لحين الإجهاز على فصائل المقاومة (لم يُسمِّها السيسي مقاومةً بالطبع).
لكن ليست بالتصريحات وحدها تثبت المواقف، وإلا ما انكشف تكبّر إبليس ولا انغواء آدم وزوجه، أو حتى لاعتبرنا محمود عبّاس وسلطته فلسطينيّين، لا سمح الله، لكن الاختبار في الممارسة، عمليًا تكون ما تدّعي أو يثبت كذب ادّعائك، خصوصًا وقد أعلن ترامب قبل ساعات أن مصر والأردن رفضتا التهجير.. لكنّهم سيوافقون.
فإذا أردتَ لترامب أن يصدّق ما تقول -دعك من الشعوب فأمرها لله ما لم تثُر- فالطريقُ أمامك مفتوح، ويمكنك البدء الآن وفورًا، ولعلّ تكرار التذكير كلّ صباح بأنّ جموع المواطنين بلا استثناء تقف بحسم ضدّ مخطط التهجير وكلّ مخطط آخر يهدد أمننا القومي مصريًّا وعربيًّا، أو يهدد القضيّة الفلسطينيّة والمقاومة لتحريرها بالكامل، هو تذكيرٌ مهين، لكن لا ضير والمخاطَبُ هذه السلطات في بلادنا.
أما وقد اتّفقنا في السطر الفائت على موقف الجماعة ضد التهجير، فلنتحدّث عن آليّات التنفيذ قليلًا، فلن يكفيكَ تصريحٌ أو بيان، ولأننا نريدُ أن نُطاع، فلنذكّر بالمستطاع، لا وجوبًا بل نفيًا.
قبل بدء العدّ، كامب ديڤيد والمكافأة الأميركيّة على التطبيع، آن أوان التخلّص منها مرّة واحدة وللأبد، ولم يترك نتنياهو بندًا فيها إلا خَرَقه وهو ما يمنحك الفرصة لردود أفعال كثيرة إن إردت.
أولاً: إلغاء الإتاوات المفروضة على قوافل المساعدات لغزّة، وحشد كل الإمكانات لدخول أكبر قدر ممكن من المساعدات، خصوصًا تلك التي تضمن عودة الناس لأماكنها التي هُجّروا منها والضغط لإدخال المزيد ممّا يسمح بالعيش والاستقرار.
ثانيًا: إنهاء جميع أشكال التنسيق الأمني والمعلوماتي والعمليّاتي مع العدو، لا بخصوص فلسطين ولا سيناء ولا غيرهما، باستثناء ما تفرضه الوساطة - بعيدًا عن موقفي منها وتقييمي للأداءات فيها.
ثالثًا: إنهاء جريمة حبس مقاومين من حركات المقاومة الفلسطينيّة في المعتقلات المصريّة، سواء ما كان نكايةً في الإخوان أو إرضاءً للعدو أو استجابةً لطلبات سلطة أوسلو.
رابعًا: إنهاء جريمة اعتقال المتضامنين مع فلسطين، من تظاهروا أو كتبوا أو رفعوا لافتات أو أعلامًا، وإنهاء ملاحقة من يحاول التضامن الآن أو غدًا.
خامسًا: وقف الانحباس في دوائر علاقات ارتهان، والبحث عن تحالفات وشراكات جديدة جنوبيّة أو شرقيّة تدعمك في موقفك وربّما تشاركك الضغط على المخبول ترامب ليس لسحب خطّته فقط، لكن لإعادة صياغة العلاقة بالبلد والمنطقة.
أما أخيرًا، فأنتم عراة من كلّ ورقة يمكن الضغط بها أو الاستناد إليها-للمفاجأة- باستثناء ورقتين طالما حاربتموهما وعملتم على القضاء عليهما: المقاومة الفلسطينية، والحراك الشعبي، والآن ليس أمامكم سوى دعم هاتين الورقتين بكل السبل، ليس لإحباط هذه الحلقة من المخطط فحسب، بل لإعادة التوازن للمنطقة برمّتها وإعادة صياغة نظرة العالم، خصوصًا المحتلّ منه، لها.