المقاومة.. الفشل أم حتمية النهوض؟
يقول عبد القادر الحسيني، القائد الفلسطيني بفترة ما قبل النكبة: "المقاومة هي السبيل الوحيد للحرية والكرامة".
المقاومة ليست خياراً بل ضرورة وجودية، بل هي استجابة طبيعية للإنسان ضد كل ما يهدد وجوده وحريته وكرامته، فمنذ أن بدأ الإنسان يفكر، بدأ يقاوم؛ يقاوم الطبيعة القاسية، الظلم الاجتماعي، الاحتلال، وحتى نفسه حين تنحرف عن مسارها الأخلاقي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائمًا: هل تفشل المقاومة؟
إذا عدنا إلى الفلسفة، نجد أن المفكر الألماني فريدريك نيتشه يقول: "ما لا يقتلني يجعلني أقوى"، هذه العبارة تجسد جوهر المقاومة، فهي حتى في لحظات ضعفها الظاهري، لا تموت. على العكس، تتحول إلى قوة كامنة تنبعث من جديد، أشبه بالنار التي تخمد تحت الرماد لكنها تظل جاهزة للاشتعال عند أول ريح مناسبة، وقد تبدو المقاومة وكأنها تفشل، لكنها في الحقيقة تعيد تشكيل نفسها، تتعلم من أخطائها، وتستعد لجولة جديدة.
إن الفشل، بمعناه الظاهري، قد يكون حتميًا في بعض المراحل، فالتاريخ مليء بأمثلة عن شعوب وأفراد قاوموا ولم يحققوا أهدافهم الفورية، لكن هل يمكننا القول إنهم فشلوا؟ ماركس، في رؤيته الجدلية للتاريخ، يؤكد أن الصراع هو المحرك الأساسي للتغيير. والمقاومة، مهما كانت صغيرة أو تبدو غير مؤثرة، تساهم في دفع عجلة التاريخ نحو التحول، فهي ليست مجرد أداة لتحقيق هدف محدد بل هي فعل يؤكد إنسانية الإنسان ورفضه أن يكون آلة صامتة في يد الظلم والطغيان.
في السياق ذاته، نجد أن جان بول سارتر يؤكد أن الحرية ليست شيئًا يُمنح بل هي شيء يُنتزع، وبهذا المعنى تصبح المقاومة التعبير الأسمى عن إرادة الحرية، فحتى حين لا تحقق أهدافها، فإن مجرد وجودها يعيد تعريف معنى العيش بكرامة، إنها تثبت أن الظلم، مهما بدا قويًا، لا يمكن أن يسلب الإنسان حقه في الحلم أو المحاولة.
المفكر الألماني فريدريك نيتشه يقول: "ما لا يقتلني يجعلني أقوى"، هذه العبارة تجسد جوهر المقاومة، فهي حتى في لحظات ضعفها الظاهري، لا تموت
ولكن ماذا عن تلك اللحظات التي تتحول فيها المقاومة إلى عبث؟ حين تتكرر الخسائر وتتراكم الهزائم، هل يحق لنا أن نستمر؟ هنا نستحضر مقولة ألبير كامو: "علينا أن نتخيل سيزيف سعيدًا". سيزيف، الذي حُكم عليه بدحرجة الصخرة إلى قمة الجبل لتعود فتسقط، يجد معناه في الفعل نفسه، فالمقاومة حتى حين تبدو عبثية، تحمل في داخلها معنى أكبر من مجرد الانتصار أو الهزيمة، إنها تأكيد على وجود الإنسان ككائن حر يرفض الاستسلام.
لكن الواقع ليس دائمًا فلسفيًا مثاليًا، فقد تواجه المقاومة تحديات قاسية، سواء كانت انقسامات داخلية، أو ضغوطًا خارجية، أو خيانة الأصدقاء والحلفاء...، في لحظات كهذه يبدو السؤال عن جدوى المقاومة مشروعًا، لكن كما قال غاندي: "أولًا يتجاهلونك، ثم يضحكون عليك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر"، أي أن الزمن والتاريخ هو أعظم حكم على نجاح أو فشل المقاومة، فما يبدو كفشل اليوم قد يتحول إلى مصدر إلهام غدًا.
إذًا، المقاومة ليست حدثًا لحظيًا بل هي حالة مستمرة، بل هي صرخة في وجه الظلم، حتى لو لم يسمعها أحد، هي فعل يعيد تعريف العلاقة بين الظالم والمظلوم، بين القوي والضعيف، قد لا تحقق المقاومة أهدافها في حياتنا، لكنها تزرع بذور التغيير في وعي الأجيال القادمة، وكما قال الفيلسوف الصيني لاوتزه: "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة"، المقاومة هي الخطوة الأولى، والخطوة الألف، وكل ما بينهما.
إن الحديث عن فشل المقاومة يتجاهل حقيقة أساسية: المقاومة ليست خيارًا استراتيجيًا بل هي فعل إنساني بامتياز، هي التعبير النهائي عن رفض الخضوع...، وحتى إن بدا أنها فشلت، فإن فشلها لا يعني سوى بداية جديدة، فالمقاومة في جوهرها لا تفشل، إنها تعيد تشكيل نفسها باستمرار، مثل نهر يجد طريقه حتى لو سدت الصخور مجراه.
في النهاية، لا يمكن قياس المقاومة بمفهوم الربح أو الخسارة، هي ليست لعبة محدودة الزمن بل هي صراع أبدي بين الحق والباطل، وحتى إن لم تنتصر المقاومة في معركة، فإنها تنتصر في إبقاء الروح الإنسانية حية، وكما قال محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، بهذا فالمقاومة هي الفعل الذي يؤكد ذلك، فلا حياة بدون مقاومة، ننتصر أو ننتصر رغم الجراح.