المغرب للاتحاد الأوروبي: الكرة في ملعبكم

02 ديسمبر 2024
+ الخط -

خاطب وزير الخارجيّة المغربي ناصر بوريطة، خلال استقباله أوليفر فارهيلي، المفوّض الأوروبي المكلّف بالجوار والتوسّع، الاثنين الماضي، بمقرّ وزارة الخارجيّة بالرباط، الاتحاد الأوروبي بلغة لا لبس فيها وواضحة كنارٍ على علم، تمتح من لغة وعقيدة الدبلوماسيّة المغربيّة، المبنيّة على الوضوح والشراكة رابح- رابح، واحترام سيادة الدول.

رئيس الدبلوماسيّة المغربيّة، أكّد خلال هذا الاستقبال أن "الكرة اليوم في ملعب الاتحاد الأوروبي لحماية الشراكة مع المغرب من التحرّش القانوني"، في إشارة إلى قرار محكمة العدل الأوروبيّة بخصوص اتفاقيتي الصيد البحري والفلاحة بين المغرب وأوروبا.

وأكّد وزير الخارجيّة المغربيّة أن "المملكة المغربيّة تنتظر من الاتحاد الأوروبي إثبات التزامه بالشراكة عن طريق الأفعال وليس عن طريق الأقوال"، مؤكداً أن كل ما يقال في بروكسل وباقي العواصم الأوروبيّة حول أهميّة هذه الشراكة يجب أن يتجسّد على أرض الواقع.

الرد كان سريعاً وفي الندوة ذاتها، حين أكّد أوليفر فارهيلي أن أكبر دليل على علاقة المغرب المتينة بالاتحاد الأوروبي هو زيارته شخصيّاً للمغرب، مضيفاً "نتشبّث بالمكتسبات مع المغرب وتعزيزها، وننظر إلى المغرب بوصفه ركيزة في الاستقرار والأمن الإقليمي، والشراكة مع المغرب لا مناص منها"، وقال لا بد من حلول لمواجهة المشاكل.

اللافت أن كلمة بوريطة ولهجتها الواضحة، تأتي في سياق أصبح المغرب فيه يتحرّك من موقع قوّة، بفضل تزايد الاعتراف الدولي بصوابيّة مقترحه، وبعد أن أصبح خطاب تقرير المصير ليس له أي تأثير كما كان في السابق، بل وتمّ وأده، واقتناع المنتظم الدولي بالطرح المغربي حول مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبيّة للمملكة.

المملكة المغربيّة أصبحت تتحرّك وفق مصالحها، ولن تجد أي ضير في التخلّي عن علاقات مع أي بلد يلتزم المنطقة الرماديّة، بخصوص قضيّة الصحراء، ولا يعلن عن مواقف صريحة وواضحة، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الباب، إضافة إلى أن الرباط صارت بيدها أوراق رابحة، بعد الاعترافين الأمريكي والفرنسي.

المملكة المغربيّة أصبحت تتحرّك وفق مصالحها، ولن تجد أي ضير في التخلّي عن علاقات مع أي بلد يلتزم المنطقة الرماديّة، بخصوص قضيّة الصحراء

فرنسا، الدولة العضو الدائم بمجلس الأمن، التزمت بترجمة موقفها الداعم للمغرب إلى إجراءات عمليّة من خلال دعم هذا الموقف في المحافل والمنصّات الدوليّة، منها الاتحاد الأوروبي، والذي انطلق من على منصّة مجلس الأمن، خلال مناقشة القرار المتعلّق بالصحراء المغربيّة، والذي جدّد بموجبه ولاية بعثة الأمم المتّحدة في الصحراء "المينورسو" لمدّة عام كامل إلى غاية 31 أكتوبر 2025.

كما أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ المغرب، وتأكيده لولي العهد الأمير مولاي الحسن، خلال لقائه به بالعاصمة الاقتصاديّة للمملكة "دعم بكين لأمن واستقرار الرباط"، يقوّي الطرح المغربي، ويمنح الدبلوماسيّة المغربيّة جرعات إضافيّة للتفاوض والدفاع عن مبادرة الحكم الذاتي، ودفع باقي الدول، وكذلك الاتحاد الأوروبي، إلى اتخاذ موقف واضح وصريح من هذه القضيّة المفتعلة.

تدرك دول الاتحاد الأوروبي جيّداً أن قضيّة الصحراء المغربيّة هي المنظار الذي يرى به المغرب العالم ويقيّم به شراكاته الاقتصاديّة، ولن يقبل أي مساومة أو ابتزاز بخصوص وحدته الترابيّة، كما تدرك أن المملكة تقدّم نموذجاً لبلد مستقرّ وآمن وبوّابة لأفريقيا، وشريكاً موثوقاً فيه، ومناخاً للاستثمار.

كلمة بوريطة تؤكّد أن المملكة مرّت إلى السرعة القصوى لانتزاع موقف من الاتحاد الأوروبي ودفعه إلى الخروج من المنطقة الرماديّة، خاصّة أن قادته خرجوا، مباشرة بعد قرار محكمة العدل الأوروبيّة، لتأكيد أهميّة الشراكة مع الرباط، وهي التصريحات التي تريد الرباط ترجمتها على أرض الواقع.

وتربط الرباط علاقات جيّدة مع دول الاتحاد الأوروبي، رغم أنها متباينة من دولة إلى أخرى، إذ تدعم دول مبادرة المغرب بمنح أقاليمه الجنوبيّة حكماً ذاتيّاً، فيما تربط المملكة بدول أخرى علاقات عاديّة، ولا يوجد أي توتّر بين إحدى دول الاتحاد والمغرب.

استطاعت الرباط أن تنوّع شراكاتها، وكان خطاب العاهل المغربي محمد السادس بقمّة الرياض سنة 2016، واضحاً، ويرسم الاستراتيجيّة الكبرى لعلاقات المملكة بالخارج، ووضع النقاط على الحروف، وجاء آنذاك في سياق دولي صعب، وصار خطاباً مرجعيّاً للدبلوماسيّة المغربيّة.

يقول الملك محمد السادس، في خطابه أمام قمّة الرياض، "فالمغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجيّة مع حلفائه، قد توجّه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي".

وانطلاقاً من تخلّي المغرب عن سياسة وضع البيض في سلّة واحدة، أصبحت أمامه فرصاً كبيرة وهامشاً واسعاً للتحرّك والضغط من أجل حماية مصالحه والدفاع عن سيادته، ولم يعد يرتهن لجهة واحدة.

صحافي مغربي وباحث سلك الدكتوراه في العلوم السياسية.
حسن قديم
صحافي مغربي، باحث في سلك الدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله.