المصافحة وازدواجية المعايير في الإعلام الغربي
سامي الأشول
لن أتطرّق إلى الجوانب الفقهية المتعلّقة بحكم مصافحة النساء، بدلًا من ذلك سأناقش هذه القضيّة من منظورٍ ثقافي وحضاري أوسع، حيث تتجاوز المصافحة كونها فعلًا اجتماعيًّا بسيطًا لتصبح رمزًا محوريًّا للصراع بين القيم والهويات.
في هذا الإطار، لم تعد المصافحة مجرّد تعبير عن التحية، بل أصبحت نقطة تصادم رمزي، تعكس التوتر بين التقاليد الشرقية، وخاصة العربية، وبين قيم الحداثة الغربية التي تسعى إلى تقديم نفسها نموذجًا عالميًّا.
التصادم بين الهوية الثقافية والحداثة الغربية
رغم أنّ المصافحة في جوهرها وسيلة للتواصل البشري، فإنها قد تتحوّل في بعض السياقات إلى رمز للمقاومة أو التمسّك بالهوية. رفض مصافحة الرجل للمرأة بدافع ثقافي أو ديني يمكن تفسيره عادة على مستويين:
- تأكيد على الالتزام القيمي والتمسّك بالهوية الثقافية.
- أو تجاوز للحريّات الفردية من منظور الحداثة الغربية السائدة.
هذا التصادم يكشف تناقضًا جوهريًّا بين التقليد، الذي ينظر إلى الفعل بوصفه التزامًا قيميًّا يعبّر عن الهوية الثقافية، وبين الحداثة المهيمنة، التي تراه انتهاكًا لحرية المرأة وانتقاصًا من مكانتها، بل يصل الأمر إلى اتهام من يرفض المصافحة بالرجعية أو حتى بالإرهاب.
ازدواجية المعايير في الإعلام الغربي
من يتابع التغطية الإعلامية لقضيّة عدم مصافحة أحمد الشرع وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، يلاحظ التضخيم الإعلامي المبالغ فيه. الإعلام الغربي تجاوز حدود مناقشة الفعل نفسه، وقدّم الموقف رمزاً للصراع بين القيم المتحضرة والرجعية.
هذا التضخيم يثير تساؤلًا منطقيًّا: لماذا تُضخّم القضايا المرتبطة بالمسلمين، بينما تُعامل المواقف المشابهة في ثقافات أخرى باعتبارها جزءًا من الخصوصية أو الحرية الشخصية؟
لماذا تُضخّم القضايا المرتبطة بالمسلمين، بينما تُعامل المواقف المشابهة في ثقافات أخرى باعتبارها جزءًا من الخصوصية أو الحرية الشخصية؟
الأمثلة على ازدواجية المعايير كثيرة، ويمكن ملاحظتها في طريقة التعامل مع حرية التعبير:
- الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي تُبرّر في الغرب باعتبارها جزءًا من حرية التعبير. وأيّ اعتراض على هذه الرسوم يُصوّر دليلًا على عدم تقبّل المسلمين القيم الغربية، وخاصة قيمة حرية التعبير.
- في المقابل، عندما يتعلّق الأمر بمجرّد التشكيك في المحرقة ضدّ اليهود، تختفي حرية التعبير. يصبح "الرأي" جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن. وصل الأمر إلى إقرار قوانين صارمة وصادمة في الوقت نفسه لتجريم كلّ من يشكّك في المحرقة!
صراع الهيمنة الثقافية: من يحدّد السرديات؟
هذا التناقض يكشف عن معايير مزدوجة تُستخدم أداة لإعادة إنتاج هيمنة ثقافية تقصي الهويات التي لا تتماشى مع قيم الحداثة الغربية المهيمنة. بدلًا من التعامل مع مسألة رفض المصافحة بوصفها تصرّفًا يعكس أعرافًا أو عادات مجتمعية، أو تعبيرًا عن بعد ديني يستحق الاحترام في إطار التعددية الثقافية، تجاوز الإعلام الغربي هذا النقاش ليظهر أنّ الأنظمة الغربية المتفوقة، عسكريًّا وإعلاميًّا، هي التي تحدّد السرديات الثقافية المقبولة، وتعرّف العادات والقيم المتحضرة.
القضية ليست في المصافحة ذاتها أو الانتقائية الواضحة في تطبيق حرية التعبير، بل في الرمزيات الأعمق التي تحملها هذه الممارسات. إنها صراع على الهيمنة الثقافية وفرض رؤية عالمية واحدة تدّعي التفوّق، مقابل التمسّك بالهوية الثقافية والدفاع عنها كحقٍّ أصيل.
وهنا يبرز التساؤل: هل يمكن للعالم الغربي، المتقدّم تكنولوجيًّا، أن يتبنى نموذجًا حضاريًّا يعترف بالخصوصيات الثقافية قيمةً أصيلة تستحق الاحترام؟ أم أنّ هذه الخصوصيات ستظل تُعامل بوصفها معضلة تحتاج إلى وصاية أو إعادة صياغة؟

