المال... ضمير يستيقظ!

المال... ضمير يستيقظ!

20 ابريل 2021
+ الخط -

هل تشتري المرأة كرامتها بالمال؟ المال دائماً يُذكرها بأنه أهم شيء في الدنيا، وإن كان ذلك من قبل زوجها! إنَّ الزوج، في الحال السويِّ العادي، هو الكاسب. وتطلب منه الزوجة نفقة الطعام، فيدفع. وتطلب نفقة الكساء فيدفع، إن استطاع. المرأة هي التي تطلب دائماً، والرجل هو الذي يدفع، أو لا يدفع، دائماً.

الزوجة هي دائماً السائلة. وهي تسأل ولا تدري ما الجواب. حتى إذا كان الجواب دائماً بنعم، فهي لا تزال هي السائلة. هي ذات اليد الدنيا، والزوج ذو اليد العليا. وقد تفتح كفّها ولا يُسقط فيه درهم.

من الأزواج من يقول: وماذا في هذا؟ 
هذا موقف طبيعي. 
والزوجات تقول: نعم، وإنها لمذّلة طبيعية كذلك.

إنَّ الزوجة التي يخلو جيبها من كل درهم، وهي دائماً في طلب الدرهم من الزوج، تحس بأنّها، بحسبانها امرأة، لا تملك في الحياة شيئاً. لا تملك شيئاً تستطيع أن تقول عنه: هذا لي. حتى إذا خطر لها أن تهدي زوجها شيئاً، لم تستطع، إلّا أن تقول له: أريد أن أهديك شيئاً، فأعطني ثمنه.

إنّ الحرية في الحياة صنوف. وأوّل الحريات في الحياة حرية المال. والفقر أشدّ أسباب الحياة جميعاً ضياع حرية.

العقدة هنا. العقدة في أنّها تطلب. والعقدة في أنّها قد لا تجاب. والزوج لا يطلب، ولا يَستأذن. وهو يعلم ما في الجيب، وهي لا تعلم

وقد قالت زوجة صديق في ذات مرة: (لقد ازداد إحساسي بهذا أنّي كنت قبل الزواج أعمل، وأكسب. فلما رضيت بالزواج، اشترط زوجي ألا أعمل. أراد أن يكون له هو وحده شرف الكسب كله. واليوم أكاد أقول إنّه إنما أراد أن تكون له الحرية كلها، دون أن يعي ذلك وعياً كاملاً. إنّها في دم الرجال. جبلّة من صنع القرون.

انقطعت عن عملي، فانقطع كسبي، وصفرت يدي، إلّا أن يملأها زوجي. وهذا هيّن على الفتاة التي تنتقل من تحت سقف أبيها وحمايته، وحماية زوجها وكسبه.

إنها استبدلت حماية بحماية. ولكني، وقد كنت أعمل، استبدلت حماية بحرية. واشتدت العقدة، فقطعتها بالعودة إلى عملي، مدرسّة كما كنت أعمل أولاً. وأفضيت لزوجي بكل دخيلة في نفسي، بكل صراحة، فهالتني سرعة فهمه.

حاول أولاً أن يُفهمني أنّي أعمل في البيت، في حين أنّه هو يعمل خارج البيت. وأن لكل عمل أجراً. وأن المرأة الزوجة لها عن عمل بيتها أجر. فلها في كسب زوجها النصف تماماً. وهي عندما تطلب لنفسها فإنّها تطلب من بعض نصيبها.

العقدة هنا. العقدة في أنّها تطلب. والعقدة في أنّها قد لا تجاب. والزوج لا يطلب، ولا يَستأذن. وهو يعلم ما في الجيب، وهي لا تعلم. وابتسم زوجها واقتنع، وما أسعد المرأة التي يكون لها زوج يبتسم عند اقتناع. وعقدتها انحلت، من يوم عادت إلى الكسب. وسعادة البيت خلتُ أنها زادت.

بقي أمر الزوجة التي لا تعمل، أو لا تستطيع عملاً. يحلُّ عقدتَها، إن تكن عقدة، بأن يجعل لها الزوج نصيباً راتباً من كسبه، ولو صغيراً، تحس أنّه لها، فتتصرّف فيه كما تشاء، وبلا استئذان، يعيد إليها شيئاً من كرامتها. 

وأعلم أنّه شاع اليوم بين النساء، وشاع بين الرجال، أن لكل عامل أجراً، وأن الزوجة عاملة، فلها على زوجها أجر عمل البيت. ولكن لا أحبذ أن تطالب الزوجة بأجر، أحبذ الفكرة أن تشيع، لأنها الحق، ولأنها العدل، ولأنها تحفظ للزوجة كرامتها التي هبطت في بعض البيوت إلى ما دون منزلة الخادمة التي تعمل وتؤجر، ولها حرية التوقف عن العمل.

أُحَبذ الفكرة أن تشيع، ليدرك الرجال أن عمل البيت مرهق كعمل المكتب والمصنع والسوق، وفوق ذلك هو رتيب. وأحبذ الفكرة أن تشيع، ليحسّ الرجال، عندما يعطون الزوجة مالاً فإنما هم يعطونها من بعض نصيبها. أما أن تؤجر الزوجة أجراً عن عمل البيت فعلاً، فشيء يذهب عن البيت بمعنى من معاني التعاون والود، في ظلّ المحبة (ولا أقول الحب)، رقيق، كالزجاج، سريع التصدّع. وهو إذا تصدّع لا يُجبر أبداً.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.