القبول القاتل.. حماس تقفز عن ألغام نتنياهو وترامب

07 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 11:28 (توقيت القدس)
+ الخط -

لم يأتِ بيان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مجرد إعلان رسمي، بل كان رصاصة دبلوماسية خارقة لجدار الغطرسة الأميركية والإسرائيلية. كان سلاحها هو القبول المشروط الصادم، الذي تجاوز كونه مجرد موافقة ليصبح "ضربة معلم في الساحة السياسية".

بهذا الرد، استدرجت حماس الرئيس الأميركي دونالد ترامب وئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى فخٍ لا مفر منه، فبينما كان نتنياهو يرى في الخطة الأميركية أداةً لاجتثاث الحركة وتتويج نفسه "منتصراً تاريخياً"، جاء رد الحركة كزلزال استراتيجي.

لقد كان رداً مُجرداً من العاطفة، ومُحملاً بذكاء سياسي فائق ومهارة إبداعية، حيث وافقت حماس على عدد من بنود المقترح الذي قدمه ترامب والمكون من عشرين بنداً، وهي: صفقة تبادل كبرى لكسر القيود، وتشكيل حكومة كفاءات فلسطينية لإدارة القطاع.

بهذه الخطوة المُلغمة، انتزعت الحركة "زمام المبادرة" ببراعة ساحقة، لم ترفض فتُتهم بتعطيل السلام، ولم تقبل فتهدي إلى نتنياهو "كأس النصر الزائف" الذي كان يحلم به. بل حوّلت خطة تصفيتها إلى "شرط طريق" لإنهاء العدوان، وألقت بكرة النار الدولية في ملعب تل أبيب والبيت الأبيض، لقد أجبرت الجميع على الركوع أمام إرادتها السياسية الجديدة.

تأثير الصدمة كان فورياً: وصفت القناة العبرية 12 الموقف بـ"الشلل الدبلوماسي الكامل"، للمرة الأولى في تاريخ الصراع، لم تستطع واشنطن رفض مبدأ التفاوض تحت نيران الحرب، أما دوائر الاحتلال، فغرقت في "فوضى الانهيار الاستراتيجي"، بعدما أدركت أن حركة حماس تحوّلت من مجرد "هدف عسكري" إلى "قوة سياسية دولية تفرض الأجندة". 

عملية الردع العكسي: إبطال مفعول ألغام ترامب

كانت خطة ترامب "صندوق شرور البشرية" مليئاً بالألغام السياسية: نزع سلاح المقاومة كلياً وتدويل إدارة غزة عبر مجلس سلام يقوده مشبوهون مثل توني بلير، كان نتنياهو يراهن على الرفض الغاضب من حماس لتمديد حربه بدعوى مكافحة "الإرهاب".

لكن القبول المشروط للحركة كان بمثابة "مفجر مضاد"، لقد قبلت ما هو إنساني وعام، وصفعت بصمتٍ ما يمس جوهر وجودها المقاوم، وبدلاً من الانجرار للرد الانفعالي، استخدمت لغة "صاحب السيادة"، مؤكدة أن "القضايا المتعلقة بمستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني تُناقش ضمن إطار وطني جامع". 

المضمون الجذري: لا تفاوض على سلاح المقاومة إلا بإجماع فلسطيني مُطلق، وبذلك، حطَّمت حماس محاولات شق الصف الفلسطيني.

الأكثر جنوناً هو المشهد الدرامي في قلب واشنطن: ترامب نفسه نشر بيان حماس كاملاً على الموقع الرسمي، بل وروَّج لمصطلحاتها الثورية مثل "الإبادة الجماعية". ووصفها بحركة مقاومة.

ترامب نفسه نشر بيان حماس كاملاً على الموقع الرسمي، بل وروَّج لمصطلحاتها الثورية مثل "الإبادة الجماعية". ووصفها بحركة مقاومة

كان هذا "انقلاباً مفاهيميا" لم يسبق له مثيل في الخطاب الرسمي الأميركي. ترامب، الباحث عن جائزة نوبل بأي ثمن، رأى في حركة (حماس) شريكاً يختصر الطريق، بينما وجد نتنياهو نفسه معزولاً بلا حماية: إما الانصياع لإملاءات الحركة وترامب، ووقف الحرب، أو التورط في وصم "معرقل السلام الأوحد".

موقع "حدشوت زمان" العبري وصف الموقف بأنه "إذلال مدوٍ"، بينما أكد محللون إسرائيليون أن حركة حماس لم تكتفِ بالصمود الأسطوري، بل نصبت فخاً سياسياً متيناً لترامب ونتنياهو، وأجبرتهما على الاعتراف بها قوةً شرعية لا يمكن تدميرها. 

"عقيدة المقاومة" من الخندق إلى المفاوضات

بينما كان الطيران والمدافع يطلقان حممهما، كانت القيادة السياسية لحماس تُدير حرباً موازية بعبقرية استراتيجية لا تُضاهى، الفلسفة الجديدة لخصها القيادي موسى أبو مرزوق بوضوح: (حماس) ستسلم السلاح للدولة الفلسطينية القادمة، ومن يحكم غزة سيكون بيده السلاح، هذه العبارة فصلت السلاح عن التنازلات المرحلية وربطته بحتمية الدولة، مُظهرة أن المقاومة ليست هدفاً يمكن مساومته، بل "أداة تحرير مقدسة" لا تُنزع إلا بإرادة وطنية جامعة.

وبإصرار القيادي أسامة حمدان على أن "القطاع شأن فلسطيني خالص لا يقبل الوصاية"، نسف كل بنود الخطة المتعلقة بالإشراف الدولي وقوات حفظ السلام، هذا الموقف أعاد ترسيم حدود الأزمة في الوعي الدولي: هي ليست "أزمة إغاثة"، بل "احتلال إجرامي يجب أن يزول فوراً".

مؤشرات الانقلاب في واشنطن أصبحت حاسمة لتل أبيب. فأكسيوس كشف أن البيت الأبيض أصدر أوامر قاطعة لجيش الاحتلال بوقف عمليات التوغل البري، الرغبة الأميركية في "صفقة سياسية خاطفة" قبل الانتخابات تغلبت على شهوة نتنياهو للحرب، مُنهيةً بذلك صك الغطاء السياسي المطلق للا حتلال الإسرائيلي. 

نتنياهو في "حصار الخيارات المستحيلة"

بينما هللت العواصم العربية لموقف حماس الحكيم الذي يوقف المجزرة، واجهت حكومة نتنياهو "حصاراً وجودياً"، فالعالم كله، بإيعاز أميركي، يطالب بوقف فوري للحرب وتبادل للأسرى، هذا يعني عملياً "اعترافاً دولياً لا رجعة فيه" بأن حماس هي الكيان السياسي الذي لا يمكن تجاوزه أو تدميره.

نتنياهو، الذي علّق بقاءه على شعار "القضاء التام على حركة حماس، وجد نفسه بين مطرقة أميركا الغاضبة وسندان اليمين المتطرف المتشدد، إما أن يوقف الحرب ويسقط روايته ويخسر السلطة، أو يتحدى واشنطن ويخسر الحليف الوحيد الذي يبقيه في اللعبة.

وبين هذين الخيارين المُرّين، تقف حماس منتصرة في جولة جديدة من "حرب الأدمغة"، لقد أثبتت أن المقاومة ليست مجرد قتال في الخنادق، بل هي "عقل استراتيجي مُبدع" يعرف ببراعة متى يطلق الرصاص، ومتى يطلق "القبول القاتل" الذي يغير مصائر الدول.