الغزالة الشاردة

الغزالة الشاردة

04 ديسمبر 2020
+ الخط -

في الحوار الأخير الذي دار بينه وبينها، استمتع بحديثها المشوّق الذي هيّج أشجانه، وأعاده إلى الوراء كثيراً، لأنه نابع من الصميم.. واستنجد أخيراً بها. في حينها كانت عازمة على الرحيل إلى حيث حضن الوطن الدافئ، الواسع للجميع.

وبقي هناك وحيداً في بعده عنها. هنا في بلاد الاغتراب، حيث كان غريب القلب واليد واللسان، وعاشت أيام وحدته ومعاناته.

كانت الأيام التي تعّرفا بها على بعضهم البعض في أوجها. كانت بلسماً داوى جراحه، وفتح أمامه طريق السعادة والهناء والراحة الأبدية.

وبمجرّد تعارفهما، شدّه إليها حديثها الليّن، وكلماتها الذهبية المعبّرة، والمشعّة كإشراقه شمس الأصيل.

حديثها الذي يموجُ مع سرعة الرياح العاتية، ويغنّي للأمل، ويرفع راية الحرية، ويشفي العليل.

حديثها المخضّب بسنابل القمح ازداد اشراقاً، وأبصر النور أخيراً بعد أن فقدها، في زمن الضياع والنرجسية.

كتب إليها مخاطباً:

أنتِ كالشمس والقمر في مخدعهما.

وأنتِ الأمل، وبذرة الطيب، والهدوء الصامت الذي غلّبني بحبك، وكبرياؤك.

وأنتِ الحياة، ودنياها التي تتلاعب بخصلات شعرك القرمزي.. وطولك الفارع، وفمك الذي يقطرُ شهداً، ويملأ القلب إمتاعاً.

إليك أنتِ ..

أيتها الغزالة الشاردة في رقّتها، وفي عطفها، وفي مخدعها..

إليك أيتها الغريبة، في بلاد الاغتراب.. يكفي ما عانيت من آلام وغياب.

إليكِ أنتِ أيها االبنفسجية الحالمة بالوداع.. بكِ أشرقت شمس الحرية.

يكفي أنك دنياي وحياة العشق الذي انتظرناه.

لقد فتحتِ أمامي أشرعَةَ الفرح من جديد، بعد أن كانت موصدة، وبعد أن أعياها الجهد، وأطفأها الحزن.

وها هو اليوم يُلّح بإشراقة جديدة.. مزهرةً، فرحة، نحتفي بالعيد.

في يومك هذا..

أرسل إليك باقات ورود معطرة فوّاحة..

حبيبتي..

أيتها الرائعة بروحها المرحة، الغزالة الشاردة بعفويتها، العظيمة بتاريخها، والمتزنة بخطواتها، والمعطرة بأطيب ماركات العطور الفرنسية.

قربك مني حمَل أبهى صور الفرح والمودة، وفي بعدك أشعر أنَّ الحياة مريرة، لا طعم ولا لون ولا رائحة لها.

بعدك هو إسفين معلن بالنسبة لي.. ولن يَعرفُ قلبي الفرح، وعيوني لن تعرف طعم النوم، ما دمت بعيدة عني!

أسعدُ دائماً برؤياك، وبحديثك المشوّق الذي كسرَ حاجز الصمت.

أنت أيتها الفطينة.. الرائدة بإحسانك المتواضع..

أيتها الأنيقة، في ارتداء ثوبها الكستنائي المطرّز، بأفضل أنواع الخيوط الحريرية، وعباءَتها السوداء التي تُثير الفرح والشوق، وتهيّج مشاعر أحلامي.

اللطيفة في معشرها.. المبهجة في أناقتها.

أيتها الحبيبة..

عشقتُ فيكِ النهار والليل لأجل خاطر عيونك العسلية، ووجنتك الموردة.

دمتِ، أيتها العاشقة "الركّاويّة"، زاهية بحسنك، ومَهيبة بخطواتك، وبطلتك الواثقة، وبعطرك الفوّاح.

بالله عليك.. فأنتِ ما أنت!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.